وقوله السابق: حتى أجاز الوادي، ليس صريحًا في أنه لم ينزل الحجر، فيحمل على أن الوادي من الحجر، وأنه جاوز نفس الوادي، ونزل ولم يخرج من الحجر جمعًا بين الأحاديث. وروى الحاكم في "الإكليل" عن أبي سعيد الخُدريّ قال: "رأيت رجلًا جاء بخاتم وجده بالحجر في بيوت المعذَّبين، فأعرض عنه عليه الصلاة والسلام، واستتر بيده أن ينظر إليه، وقال: ألقه، فألقاه"، لكن إسناده ضعيف، وأخرج المؤلف في أحاديث الأنبياء نهيه عليه الصلاة والسلام عن الاستقاء من بئرها ما عدا بئر الناقة، وأمرهم أن يطرحوا ما عجنوه بمائها، أو يعلفوه للإبل، ويلتحق بآبار ثمود نظائرها من الآبار والعيون التي كانت لمن هلك بتعذيب الله تعالى على كفره، واختلف في شرب المياه المذكورة، هل النهي عنه للتنزيه أو التحريم؟ وعلى التحريم هل تمتنع صحة التطهر من ذلك الماء أم لا؟ قاله في الفتح.
وقوله: لا يصيبُكم، بالرفع على أن لا نافية، ويجوز الجزم على أنها ناهية، وهو أوجه، وهو نهي بمعنى الخبر، وفي أحاديث الأنبياء "أنْ يصيبَكم" أي خشيةَ أنْ يصيبَكم، ولا تنافي بين خوف إصابة العذاب وبين قوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: ١٦٤] لأن الآية محمولة على عذاب الآخرة، وأما في الدنيا، فقد قال تعالى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال: ٢٥] ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر، مع تمكينه لهم في الأرض، وإمهالهم مدة طويلة، مع إيقاع نقمته بهم، وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب، فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك. والتفكر أيضًا في مقابلة أولئك نعمةَ الله بالكفر، وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به، والطاعة له، فمن مرَّ عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارًا بأحوالهم، فقد شابههم في الإهمال، ودل على قساوة قلبه، وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم، فيصيبه ما أصابهم، وبهذا يندفع اعتراض من قال: كيف يصيب عذاب الظالمين من ليس بظالم؟ لأنه بهذا التقرير لا يأمن أن يصير ظالمًا؛ فيعذب بظلمه.