ولابن عساكر: قوله تعالى {ما كان} قوله: ما كان للمشركين، أي: ما صح لهم، وقوله: أن يعمروا مساجد الله، أي شيئًا من المساجد، فضلًا عن المسجد الحرام، وهو المراد. وإنما جمع لأنه قبلة المساجد وأمها وإمامها، فعامره كعامر الجميع، ويدل عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالتوحيد، قال في الفتح: ذكر البخاريّ لهذه الآية مصير منه إلى ترجيح أحد الاحتمالين فيها، وذلك أن قوله تعالى {مساجد الله} يحتمل أن يراد بها مواضع السجود، ويحتمل أن يراد بها الأماكن المتخذة لإقامة الصلاة، وعلى الثاني يحتمل أن يراد بعمارتها بنيانها، ويحتمل أن يراد بها الإقامة لذكر الله فيها، واعتراض العينيّ عليه يعلم سقوطه بالوقوف عليه.
وقوله: شاهدين على أنفسهم، أي بإظهار الشرك وتكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام، أي ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين: عمارة بيت الله تعالى، وعبادة غيره. رُوي أن سبب نزول هذه الآية هو أنه لما أُسر العباس يوم بدر، عيّره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحم، وأغلظ له عليّ، رضي الله تعالى عنه، في القول فقال: تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني. فنزلت.
وقوله: فحبطت أعمالهم، أي التي يفتخرون بها, لأن الكفر يذهب ثوابها. وقوله {إنما يعمر مساجد الله} .. إلخ. أي إنما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية، ومن عمارتها تزيينها بالفرش، وتنويرها بالسرج، وإدامة العبادة والذكر، ودروس العلم فيها، وصيانتها مما لم تبن له، كحديث الدنيا. وفي مسند عبد بن حميد عن أنس مرفوعًا "أن عُمّار المسجد أهل الله" وروي أن الله تعالى يقول "إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زُوّاري فيها عُمّارها، فطوبى لعبد تطهير في بيته ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره".
وقوله: فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين، قيل: الآيتان بلفظ "عسى" إشارة إلى ردع الكفار، وتوبيخهم بالقطع في زعمهم إنهم مهتدون، فإن هؤلاء