وسلم وأصحابه، وفي التِّرمذيّ عن عائشة قالت:"كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ينصب لحسان منبرًا في المسجد، فيقوم عليه يهجو الكفار" وقوله: أيده بروح القُدس، أي قوّاه، وروح القدس المراد به جبريل، بدليل حديث البراء عند المصنف أيضًا بلفظ "وجبريل معك".
والقُدس بضم القاف والدال، بمعنى الطهر. وسمي جبريل بذلك لأنه خلق من الطهر. وقال كعب: القُدُس الرَّب جل وعز، ومعنى روح القدس روح الله، وإنما سمي بالروح لأنه يأتي بالبيان عن الله تعالى، فيُحيي به الأرواح، وقيل: معنى القدس البَرَكة، ومَن أسمائه تعالى القُدُّوس، أي الطاهر المنزَّه عن العيوب والنقائص. ومنه الأرض المقدسة، وبيت المَقْدِس؛ لأنه الموضع الذي يتقدس فيه أي يتطهر فيه من الذنوب.
قال ابن بطال: ليس في حديث الباب أن حسانًا أنشد شعرًا في المسجد بحضرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لكن رواية البخاريّ، في بدء الخلق عن سعيد، تدل على أن قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لحسان "أحب عنّي" كان في المسجد، وأنه أنشد فيه ما أجاب به المشركين. ولفظه "مر عمر رضي الله تعالى عنه في المسجد، وحسان ينشد، فزجره فقال: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: "أنْشُدك الله .. الحديث"، أو أن البخاريّ قصد تشحيذ الأذهان بالإشارات، ووجه ذلك أن هذه المقالة منه عليه الصلاة والسلام دالةٌ على أن للشعر حقًا، يتأهل صاحبه لأن يؤيد في النطق به بجبريل عليه الصلاة والسلام، وما هذا شأنه يجوز قوله في المسجد قطعًا، والذي يحرم إنشاده فيه ما كان من الباطل المنافي لما اتخذت له المساجد من الحق.
والأول أليق بتصرف البخاري، وبذلك جزم المازريّ، وقال: انما اختصر البخاري القصة لاشتهارها, ولكونه ذكرها في موضع آخر، وأما ما رواه ابن خزيمة في صحيحه" والتّرمذيّ وَحسَّنه، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن تناشد الأشعار في