للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَريرة، بل قال: ما بال رجال. ولأنه يؤخذ من ذلك تقرير شرع عام للمذكورين وغيرهم في الصورة المذكورة وغيرها، وهذا بخلاف قصة عليّ في خطبته بنت أبي جهل، فإنها كانت خاصة بفاطمة، فلذلك عينها. وفيه حكاية الوقائع لتعريف الأحكام، وأن اكتساب المكاتب له لا لسيده، وجواز تصرف المرأة الرشيدة في مالها بغير إذن زوجها، ومراسلتها الأجانب في أمر البيع والشراء كذلك، وجواز شراء السلعة للراغب في شرائها بأكثر من ثمن مثلها, لأن عائشة بذلت ما قرر نسيئة على جهة النقد، مع اختلاف القيمة بين النقد والنسيئة وفيه جواز استدانة من لا مال له عند حاجته إليه.

وفيه جواز نكاح العبد الحرة, لأنها إذا خيرت فاختارته بقيت معه، وهي حرة وهو عبد، وما ذكرناه في الحديث من الفوائد لا يخالف ما أخرجه البخاريّ عن عائشة قالت: "كان في بَريرة ثلاث سنن: إحداها أنها عتقت فخيرت في زوجها، وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الولاء لمن أعتق، ودخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والبُرمة تفور بلحم، فَقُرب إليه خبزٌ وأدم من أدم البيت، فقال: ألم أر البرمة فيها لحم؟ قالوا: بلى، ولكن ذلك لحم تُصدِّق به على بَريرة وأنت لا تأكل الصدقة، قال: عليها صدقة ولنا هدية" وزاد أحمد وأبو داود رابعةً وهي "وأمرها أن تعقد عدة الحُرة" وبيان عدم المخالفة، هو أن مراد عائشة بيان ما وقع من الأحكام مقصودًا خاصة، لكن لما كان كل منها يشتمل على تعقيب قاعدة يستنبط العالم الفطن منها فوائد جمة، وقع التكثر من هذه الحيثية، وانضم إلى ذلك ما وقع في سياق القصة غير مقصود، فإن في ذلك أيضًا فوائد تؤخذ بطريق التنصيص أو الاستنباط، أو اقتصر على الثلاث أو الأربع لكونها أظهر ما فيها، وما عداها انما يؤخذ بطريق الاستنباط، أو لأنها أهم، والحاجة إليها أمس.

وقال القاضي عياض: معنى ثلاث أو أربع، أنها شرعت في قصتها، وما يظهر فيها مما سوى ذلك، فكان قد علم من كثير قصتها، وهذا أولى من قول من قال ليس في كلام عائشة حصر، ومفهوم العدد ليس بحجة، وما أشبه ذلك من

<<  <  ج: ص:  >  >>