على طاعتك اقامة بعد إقامة. وقولة: وأومأ إليه، بهمزة في أوله وآخره، وقوله أي الشطر، بالنصب أي ضع عنه الشطر وهو النصف، كما صرح به المؤلف في رواية الأعرج، وهو تفسير بالمقصود الذي أوما إليه صلى الله تعالى عليه وسلم، وفي هذا جواز الاعتماد على الإشارة، وأنها تقوم مقام النطق إذا فهمت دلالتها عليه.
وقوله: لقد فعلت، أي ما أمرت به، وخرج ذلك منه مخرج المبالغة في امتثال الأمر، ولذا أكد باللام مع ما فيه من معنى القسم، ولأبي ذَرٍّ والمستملي: قد فعلت، وقوله: قال قم فاقضه، هذا خطاب لأبي حدرد، أي اقض له حقه على الفور، والأمر للوجوب، وفيه إشارة إلى أنه لا تجتمع الوضيعة والتأجيل. وفي الحديث جواز رفع الصوت في المسجد، وهو كذلك ما لم يتفاحش، وقد أفرد له المؤلف بابًا يأتي قريبًا، ومشهور مذهب مالك كراهة رفع الصوت فيه، بعلم أو غيره، إلا ما لابد منه، كالجهر بالقراءة في الصلاة والخطبة، أو ما يحتاج إليه للإسماع. وقيل: يمنع غير ما لابد منه، وأما جهر بعضهم على بعض فممنوع، ويجاب عما رواه ابن ماجه عن واثلة، يرفعه "جنبوا مساجدكم صبيانكم وخصوماتكم"، وما رواه أبو نعيم عن معاذ مثله، وغير ذلك، بأن هذه الأحاديث ضعيفة، فيبقى الأمر على الإباحة، أويحمل النهي على الكراهة كما مرَّ عن المالكية، أو تحمل على ما إذا كان متفاحشًا، ويحمل حديث الباب على غير المتفاحش.
ويجوز عند مالك قضاء الدين فيه، وقال المهلب: لو كان رفع الصوت في المسجد غير جائز لما تركهما عليه الصلاة والسلام، ولبين لهما، ويجاب عن هذا بأنه يحتمل أن يكون تقدم نهيه عن ذلك، فاكتفى به، واقتصر على التوصل بالطريق المؤدية إلى ترك ذلك بالصلح لترك المخاصمة لرفع الصوت. وفيه إشارة الحاكم بالصلح على جهة الإرشاد، وهنا وقع الصلح على الإقرار المتفق عليه، لأن نزاعهما لم يكن في الدَّين، وإنما كان في التقاضي، وأما الصلح على الإنكار فأجازه مالك وأبو حنيفة، وهو قول الحسن. وقال الشافعيّ: إنه باطل، وبه قال ابن أبي ليلى، وفيه الملازمة للاقتضاء والشفاعة إلى صاحب الحق