جزور أحب إليّ من دم ثمامة، ثم أكثر عليه بعد ذلك، وقال لَه مثل قوله أولًا، والنبي يقول مثل قوله، ثم كر عليه في الثالثة، وأجاب بمثل ما أجاب به أولًا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول مثل قوله، ثم أمر به، فأطلق، ثم ذهب إلى المصانع فغسل ثيابه واغتسل، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وشهد شهادة الحق، وقال: يا رسول الله، إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فمر من يسيرني إلى الطريق، فأمر من يُسَيِّره، فخرج حتى قدم مكة.
فلما سمع به المشركون جاءوه فقالوا: يا ثُمامة، صَبَوْت وتركَت دين آبائك، فقال: لا أدري ما تقولون، إلا أني أقسمت برب هذه البنية لا يصل إليكم من اليمامة شيء مما تنتفعون به، حتى تتبعوا محمدًا عن آخركم، وكان مِيرة قريش ومنافعهم من اليمامة، ثم خرج فحبس عنهم ما كان يأتيهم منها من مِيرتهم ومنافعهم، فلما أضَرَّ بهم كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم، وتحض عليها، وإن ثمامة قد قطع مِيرتنا وأَضَرَّ بنا فإنْ رأيت أن تكتب إليه أن يخلي بيننا وبين مِيرتنا، فافعل، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خلِّ بين قومي وبين ميرتهم.
وكان ثُمامة حين أسلم قال: "يا رسول الله، لقد قدمت عليكَ وما على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، ولا دين أبغض إليّ من دينك، ولا بلد أبغض إليّ من بلدك، وما أصبح على الأرض وجه أحب إليّ من وجهك، ولا دين أحب إلى من دينك، ولا بلد أحب إليّ من بلدك". وقال محمد بن إسحاق: ارتد أهل اليمامة عن الإِسلام غير ثمامة بن أُثال ومن تبعه من قومه، فكان مقيمًا باليمامة ينهاهم عن اتّباع مُسَيْلمة وتصديقه، ويقول: إياكم وأمرا مظلمًا لا نور فيه، وإنه لشقاء كتبه الله عَزَّ وَجَلَّ على من أخذ به منكم، وبلاء على من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة. فلما عَصَوْه ورأى أنهم قد أصفقوا على اتباع مسيلمة، عزم على مفارقتهم، ومر العلاء بن الحضرميّ ومن معه على جانبهم، فلما بلغه ذلك قال لأصحابه من المسلمين: إني والله ما أرى أنْ أُقيم مع هؤلاء بعدما قد أحدثوا، وإن الله تعالى لَضَارِبُهم ببلية لا يقومون بها ولا