للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إليّ جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين".

وأجيب عما قال ابن بطال باحتمال أن تكون صلاة عمر كانت خرجت عن وقت الاختيار، وهو مصير ظل الشيء مثليه، لا عن وقت الجواز، وهو مغيب الشمس، فيتجه إنكار عروة، ولا يلزم منه ضعف الحديث، أو يكون عروة أنكر مخالفة ما واظب عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو الصلاة في أول الوقت، ورأى أن الصلاة بعد ذلك إنما كانت لبيان الجواز، فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضًا.

قلت: الحديث لا يصح أن يوسف بالضعف مع ما قدمناه فيه، وإنما تكلم فيه بأن في إسناده عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة مختلف فيه، وقد توبع، كما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس، وقال ابن دقيق العيد: هي متابعة حسنة، وصححه ابن العربيّ، وابن عبد البر، وحديث بُريدة عند مسلم قريب منه، إلا أن بينهما اختلافًا في ألفاظ، ويؤيد الاحتمال الأخير ما رواه سعيد بن منصور عن طَلْق بن حبيب مرسلًا: "إن الرجل ليصلِّي الصلاة وما فاته خير له من أهله وماله"، ورواه عن ابن عمر من قوله، ويؤيد ذلك احتجاج عروة بحديث عائشة في كونه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حُجرتها، وهي الصلاة التي وقع الإنكار بسببها، وبذلك تظهر مناسبة ذكره لحديث عائشة بعد حديث أبي مسعود، لأن حديث عائشة يشعر بمواظبته على صلاة العصر في أول الوقت، وحديث أبي مسعود يشعر بأن أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل.

وقوله: "قال عروة: ولقد حدثتني عائشة"، هذا من مقول ابن شهاب، وليس بتعليق، فقد ذكره مسندًا عن ابن شهاب، عن عروة في باب "وقت العصر". وقوله: "والشمس في حُجرتها" بضم الحاء، أي: بيتها، وقد سميت بذلك لمنعها الداخل من الوصول إليها، وتجمع حُجَر، كغرفة وغُرَف، وعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>