وقوله:"حتى ابْهارَّ الليل"، أي: طلعت نجومه واشتبكت، والباهر: الممتلىء نورًا، وقيل: ابهارّ الليل: كَثُرَت ظُلمته، وابهارّ القمر: كَثُر ضوءُه. وقيل: ابهارٌ انتصف، مأخوذ من بهرة الشيء، وهو وسطه، ويؤيده أن في بعض الروايات:"حتى إذا كانَ قريبًا من نصف الليل، وتأتي عن أبي سعيد، ويأتي في حديث أنس عند المصنف: "إلى نصف الليل"، وفي الصحاح: "ابهار الليل: ذهب معظمه وأكثره، وعند مسلم من رواية أم كلثوم عن عائشة:"حتى ذهب عامة الليل".
وقوله:"على رِسلِكم" بكسر الراء ويجوز فتحها، والمعنى تأنَّوا. وقوله:"أبشروا"، من الإبشار. يقال: بَشَر وبَشَّر وأبْشَر بمعنى. وقوله:"إنَّ من نعم الله أنه"، بكسر همزة إن، وفتح همزة أنه خبر إن. واستدل بذلك على فضل تأخير صلاة العشاء، ولا يعارض ذلك فضيلة أول الوقت لما في الانتظار من الفضل، لكن قال ابن بطال: ولا يصح ذلك الآن للأئمة، لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بالتخفيف، وقال:"إن فيهم الضعيف وذا الحاجة"، فتَرْكُ التطويل عليهم في الانتظار أَوْلى، وقد روى أبو داود والنَّسائيّ وابنُ خُزيمة وغيرهم، عن أبي سعيد:"صلينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العَتَمة، فلم يخرج حتى مضى نحوٌ من شطر الليل، فقال: "إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم، وإنكم لن تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم الصلاة، ولولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم، وحاجة ذي الحاجة، لأخَّرتُ الصلاة إلى شطر الليل".
ويأتي في حديث ابن عباس قريبًا: "لولا أن أَشُقَّ على أُمَّتي لأَمرتهم أن يصلُّوها هكذا"، وللتِّرمذيَّ وصححه، عن أبي هُريرة: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه"، فعلى هذا من وجد قوة على تأخيرها، ولم يغلبه النوم، ولم يشق على أحد من المأمومين، فالتأخير في حقه أفضل. وقال العيني: قال أصحابنا: إن كان القوم كسالى يستحب التعجيل، وإن كانوا راغبين يستحب التأخير، وقد مرّ باقي الكلام عليه في باب "وقت المغرب"، عند حديث جابر.