طويلة ولا قصيرة، لا سريعة ولا بطيئة، وقدر بالرفع على أنه خبر المبتدأ الذي هو "كم"، أو بالنصب على أنه خبر كان المقدرة.
واستدل المصنف به على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر، لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب، والمدة التي بين الفراغ من السحور والدخول في الصلاة، وهي قراءة الخمسين آية أو نحوها قدر ثلث خمس ساعة، ولعلها مقدار ما يتوضأ، فأشعر ذلك بأن أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر. وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يدخل فيها بغَلَس، قال المهلبُ وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال، كقولهم: قدر حَلْبِ شاةٍ، وقَدْر نحر جزور، فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إِلى التقدير بالقراءة، إِشارة إِلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة، ولو كانوا يقدرون بغير العمل لقال مثلًا: قدر درجة أو ثلث خمس ساعة.
وقال ابن أبي جمرة: فيه إشارة إِلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة، وفيه السحور، لكونه أبلغ في المقصود. وقال ابن أبي جمرة: كان صلى الله تعالى عليه وسلم ينظر إلى ما هو الأرفق بأمته، فيفعله، لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه، فيشق على بعضهم، ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضًا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم، فقد يفضي إِلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر. وقال: فيه أيضًا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام، ولو ترك لشق على بعضهم، ولاسيما من كان صفراويًا، فقد يُغشى عليه، فيفضي إِلى الإفطار في رمضان.
قال: وفيه تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة، وجواز المشي بالليل للحاجة، لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. وفيه الاجتماع في السحور، وفيه حسن الأدب في العبارة، لقوله في رواية همام هنا:"تسحروا مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم"، وفي رواية هشام في الصيام:"تسحرنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم"، ولم يقل:"نحن ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم"، لما يشعر به لفظ المعية من التبعية.