ومسلم بالباء الموحّدة المفتوحة، وبعد الدال ألف، والواو فيه واو الحال، لا واو العطف، وبذلك تتم مطابقة الحديث للترجمة.
وقوله:"صلى ركعتين خفيفتين"، وفي رواية عائشة عند المصنف في التهجد:"حتى إني لأقول: "هل قرأ بأم الكتاب؟ "، والمراد بالركعتين ركعتا الفجر، واختلف في حكمة تخفيفهما، فقيل: ليبادر إلى صلاة الصبح في أول الوقت، وبه جزم القُرطبيّ. وقيل: ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين، كما كان يصنع في صلاة الليل ليدخل في الفرض، أو ما شابهه في الفضل بنشاط واستعداد تام. وقيل: إنهما قدر حساب الأمة المحَمَّديَّة، وقد تمسك بقول عائشة: هل قرأ بأم الكتاب؟ من زعم أنه لا قراءة في ركعتي الفجر أصلًا، وهو قول محكي عن أبي بكر الأصم وإسماعيل بن عُليّة. وتعقب هذا بما يأتي من الأحاديث في قراءته بالسورتين الآتيتين، وليس معنى هذا أنها شكت في قراءته صلى الله تعالى عليه وسلم الفاتحة، وإنما معناه أنه كان يطيل في النوافل، فلما خفف ركعتي الفَجر صار كانه لم يقرأ بالنسبة إلى غيرها من الصلوات، فلابد من القراءة، ولو وصفت الصلاة بكونها خفيفة، فكأنَّها أرادت قراءة الفاتحة فقط، أو قرأها مع شيء يسير. واقتصر المصنف على هذا، أعني في الباب الآتي؛ لأنه لم يثبت عنده على شرطه تعيين ما يقرأ به فيهما، وفي تخصيصهما أم القرآن بالذكر إشارة إلى مواظبته لقراءتها في غيرها من صلاته.
وقد روى ابن ماجه بإسناد قوي عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي ركعتين قبل الفجر، وكان يقول: "نِعْمَ السُّورتان يُقرأ بهما في ركعتي الفجر: قل يا أيُّها الكافرون، وقُلْ هو الله أحد"، ولابن أبي شَيبة عن ابن سِيرين عنها: "كان يقرأ فيهما بهما"، ولمسلم عن أبي هُريرة أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ فيهما بهما"، وللتِّرمذيّ والنَّسائيّ عن ابن عمر:"رمقت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم شهرًا، فكان يقرأ فيهما بهما"، وللتِّرمذيّ عن ابن مسعود مثله بغير تقييد، وكذا للبزار عن أنس، ولابن حبَّان عن جابر ما يدل على الترغيب في قراءتهما بهما.