أنَّ عموم قوله:"بين كل أذانين صلاة" مخصوص بغير المغرب، فإنهم لم يكونوا يصلّون بينهما، بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان، ويفرغون مع فراغه. قال: ويؤيد هذا ما رواه البَزَّار عن حَبّان بن عُبيد الله، بفتح المهملة والتحتانية مشددة، عن بُريدة مثل الحديث الأول، أي: حديث ابن مُغفَّل، وزاد في آخره: إلا المغرب.
وفي قوله:"يفرغون مع فراغه"، نظر لأنه ليس في الحديث ما يقتضيه، ولا يلزم من شروعهم في أثناء الأذان ذلك، قاله في "الفتح". قلت: ظاهره أن شروعهم في أثناء الأذان في الحديث، وليس كذلك، بل هو جمع من بعض العلماء كما مر. وأما رواية حَيّان فشَاذّة؛ لأنّه وإن كان صَدوقًا عند البَزّار وغيره، فقد خالف الحفاظ من أصحاب ابن بُريدة في إسناد الحديث ومتنه. وعند الإسماعيليّ:"وكان بُريدةُ يُصلِّي ركعتين قبل صلاة المغرب"، فلو كان الاستثناء محفوظًا لم يخالف فيه بُريدة روايته.
وقد نقل ابن الجَوزِيّ في الموضوعات عن الفَلَّاس أنه كذب حيّانَ المذكور. وقال القُرطبيُّ وغيره: ظاهر حديث أنس أن صلاة الركعتين بعد المغرب قبل صلاة المغرب، كان أمرًا قرر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه عليه، وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه، وهذا يدل على الاستحباب، وكان أصلُه قوله عليه الصلاة والسلام:"بين كل أذانين صلاة"، وأما كونه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يصلهما، فلا ينفي الاستحباب، بل يدل على أنهما ليستا من الرواتب. وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث، وذهب مالك والشافعي في الشهور عنهما وأبو حنيفة إلى عدم استحبابها، بل عند المالكية مكروهتان تنزيهًا، وعن مالك قول باستحبابها، وكذا عند الشافعية وجه رجّحه النَّوويّ ومن تبعه.
وقال في شرح مسلم: قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة، ومع ذلك فزمنهما يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها. قال في "الفتح": مجموع الأدلة يدل على استحباب تخفيفهما