ثم قال: وكانَ الأسْودُ إذا فاتَتْهُ الجماعةُ ذهبَ إلى مسجدٍ آخَرَ.
يعني أنه إذا فاتته الجماعة في مسجد قومه ذهب إلى مسجد آخر يطلب جماعة، ومناسبته للترجمة هي أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عنده لما ترك فضيلة أول الوقت والمبادرة إلى خلاص الذمة، وتوجه إلى مسجد آخر. كذا قال المُنِير. والظاهر أن البُخَاريّ قصد الإشارة بأثر الأَسْود وأَنَسْ إلى أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته مثلًا، لأن التجميع لو لم يكن مختصًا بالمسجد لجمع الأسود في مكانه، ولم ينتقل إلى مسجد آخر لطلب الجماعة، ولما جاء أنس إلى مسجد آخر، كما يأتي قريبًا. وقد مرَّ الكلام على الجماعة في البيت في باب الصلاة في مسجد السوق، وهذا التعليق وصله أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ بإسناد صحيح، والأَسْودُ بن يَزيد قد مرَّ في السابع والستين من العلم.
ثم قال: وجاءَ أنسٌ إلى مسجد قد صُلَّي فيهِ، فأذّنَ وأقامَ وصلّى جماعةً.
وصله أبو يَعْلى في مسنده عن الجَعْديّ أبي عثمان قال: مرَّ بنا أنَس بن مالك في مسجد بني ثَعْلَبَةَ نحوه، قال: وذلك في صلاة الصبح، فأمر رجلًا فأذّن وأقام وصلّى بأصحابه. وأخرجه ابن أبي شَيْبَةَ عن الجَعْد، وعند البَيْهَقِيّ عن الجَعْدِ نحوه. وقال: مسجد بني رِفاعة. وقال: فجاء أنَس في نحو عشرين من فتيانه، وهو يؤيد ما مر من إرادة التجميع في المسجد، وذكر الطَّحاوِيّ عن الكوفيين ومالك: إن شاء صلى في مسجده وحده، وان شاء أتى مسجدًا آخر يطلب فيه الجماعة، إلا أن مالكًا قال: إلا أن يكون في المسجد الحرام أو مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو القدس، فلا يخرج منه، ويصلي فيه وحده؛ لأن الصلاة في هذه المساجد أعظم أجرًا ممن صلى في جماعة.
وقال الحسن: ما رأينا المهاجرين يبتغون المساجد، وقد اختلف العلماء في الجماعة بعد الجماعة في المسجد، فروي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود في مسجد قد جمع فيه، وهو قول عطاء والحسن في رواية، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأشهب عملًا بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام "صلاة الجماعة