في الطريق، فرمى به" قال الزَّيْنُ بن الْمُنِير: إنما ترجم لئلا يتخيل أن الرمي بالغصن، وغيره مما يؤذي، تصرف في ملك الغير بغير إذنه، فأراد أن يبين أن ذلك لا يمتنع لما فيه من الندب إليه. وقد روى مسلم عن أبي بَرْزَةَ قال: قلت: "يا رسول الله، دُلَّني على عمل انتفع به، قال: اعزل الأذى عن طريق المسلمين".
ففي الحديث أن قليل الخير يحصل به كثير الأجر، وفيه فضيلة إماطة الأذى عن الطريق، وهي أدنى شُعَب الإيمان كما مرَّ في كتاب الإيمان، فإذا كان الله عَزَّ وَجَلَّ يشكر عبده، ويغفر له على إزالة غصن شوك من الطريق، فلا يدري ماله من الفضل والثواب إذا فعل ما فوق ذلك.
وقوله: الشهداء خمس، كذا لأبي ذَرٍّ عن الحمويّ، وللباقين خمسة، وهو الأصل في المذكر، وجاز الأولُ لأن الأصل إذا كان غير مذكور يجوز الوجهان. فلذا جاز الأول هنا، والشهداء جمعٍ شهيد، وهو إما بمعنى فاعل، أو مفعول، وقد اختلف في سبب تسميته شهيدًا، فقيل: لأنه حيٌّ فكأنَّ أرواحهم شاهدة، أي حاضرة، فهو بمعنى فاعل على هذا، وقيل: لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد الله له من الكرامة. وقيل: لأنه هو الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل. وقيل: لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره. وقيل: لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة، وهذه كلها بمعنى فاعل.
وقيل لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل لأنه مشهود له بالأمان من النار، وقيل لأنه عليه علامة شاهدة بأنه قد نجا، وقيل لأن عليه شاهدًا بكونه شهيدًا. وقيل لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة. وقيل لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة. وقيل الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع لهم. وقيل لأن الله تعالى يشهد له بحسن نيته وإخلاصه، وهذه كلها بمعنى مفعول، وبعض هذه يختص بمن قُتل في سبيل الله، ويعضها يعم غيره، ويعضها قد ينازع فيه.
وقوله: المطعون هو الذي يموت في الطاعون، أي الوباء، ولم يرد المطعون بالسِّنان؛ لأنه الشهيد في سبيل الله. والطاعون مرض عام يفسد له