بذات الجنب" فغير صحيح لهذا الحديث الصحيح، ولما أخرجه البخاري تعليقًا، ووصله محمد بن سعد عن عائشة قالت: "كانت تأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الخاصرة، فاشتدت به فأُغمي عليه، فلددناه، فلما أفاق قال: هذا من فعل نساء جئن من هنا، وأشار إلى الحبشة، وإن كنتم ترون أن الله يسلط عليّ ذات الجَنْب ما كان الله ليجعل لها عليّ سلطانًا، والله لا يبقى أحد في البيت إلا لُدّ، وَلَدَدْنا مَيْمونة وهي صائمة" وفي الصحيح "إلا العباس، فإنه لم يشهدكم".
قال في الفتح، ويمكن الجمع بينهما بأن ذات الجنب تطلق بإزاء مرضين، أحدهما ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع، والآخر ما يعرض في نواحي الجنب من رياح غليظة، تحتقن بين الصفاقات والعضل التي في الصدر والأضلاع، فتحدث وجعًا، فالأول هو ذات الجَنْب الحقيقيّ الذي تكلم عليه الأطباء، وهو المنفي في الحديث، وفي رواية للمستدرك "ذات الجَنْب من الشيطان". وقد قال الأطباء: يحدث بسببه خمسة أمراض: الحمّى والسعال والنَّخْس وضيق النفس والنَّبض المِنْشاريّ، ويقال لذات الجنْب أيضًا وجع الخاصرة، وهي من الأمراض المخوفة، لأنها تحدث بين القلب والكبد، وهي من سيّء الأسقام، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- "ما كان الله ليسلطها عليّ".
والثاني هو الذي أثبت في حديث أبي يَعْلى، وليس فيه محذور كالأول قاله "في الفتح" قلت: كيف يمكن الجمع مع التصريح في حديث أبي يَعْلى أنه مات من ذات الجنب؟ والتصريح في حديث البُخاري بقوله انقطاع "أبهري" فالجمع مع التصريحين غير ممكن.
وأما محل ابتدائه فالصحيح أنه كان في بيت مَيْمونة، لما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أسماء بنت عُمَيْس قالت: إن أول ما اشتكى كان في بيت مَيْمونة، فاشتد مرضه حتى أُغمي عليه، فتشاورن في لَدّه، فلدوه، فلما أفاق .. إلخ الحديث، وأخرج مسلم أيضًا أنه أول ما اشتكى في بيت مَيْمُونة، وفي سيرة أبي مَعْشَر في بيت زَينب بنت جَحْش، وفي سيرة سليمان التَّيْميّ في بيت رَيحانة، وذكر الخَطّابيّ أنه ابتدأ يوم الاثنين، وقيل يوم السبت، وقال الحاكم