ولم يختلف في ايجاب النية في الصلاة، وقد أشار المصنف إلى ذلك في أواخر كتاب الإيمان حيث قال:"باب ما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- الأعمال بالنية"، فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة إلى آخر كلامه، قلت: تحرير مذهب مالك في تكبيرة الإحرام ان الإتيان بها واجب من قيام إلاَّ لمسبوق وجد إمامه راكعًا ففيه قولان.
إذا فعل بعض تكبيرة الإحرام في حال قيامه، أو أتمّه في حال انحطاطه، أو بعده من غير فصل بين أجزائه، فهل يعتد بتلك الركعة بناء على أن القيام لها واجب في حق غير المسبوق؟ أو لا يعتد بها بناء على أنه واجب لها مطلقًا وصلاته صحيحة على كل حال؟ والقولان جاريان فيمن نوى بتكبيرة العقد أي: الدخول في الصلاة، أو نواه والركوع، أو لم ينوهما أي: لأنه إذا لم ينوهما ينصرف للأصل وهو العقد، وإذا لم ينو ناسيًا بطلت، ولكنه يتمادى على صلاة باطلة، وإن لم يكبّر رأسًا استانف الصلاة، وإذا كبّر في حال الانحطاط وأتمه في حال الانحطاط أو بعده بلا فصل أو مع فصل أي: طويل فهي صحيحة في الأوليين باطلة في الثالثة.
واستدل الجمهور على تعين لفظ التكبير دون غيره من ألفاظ التعظيم بحديث عائشة:"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتتح الصلاة بالتكبير"، وبحديث ابن عمر الآتي بعد بابين:"رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- افتتح التكبير في الصلاة"، وبحديث رفاعة في قصة المسيء صلاته، أخرجه أبو داود وبلفظ:"لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبّر"، ورواه الطبراني بلفظ:"ثم يقول الله أكبر"، وبحديث أبي حميد:"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا، ورفع يديه ثم قال: الله أكبر". أخرجه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان. وهذا فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول الله أكبر.
وروى البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم، عن علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر.
ولأحمد والنسائي عن واسع بن حيّان، أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: الله أكبر كلما وضع ورفع. وبحديث البخاري المتقدم:"صلوا كما رأيتموني أصلي". وقال الحنفية مجيبين عن هذه الأحاديث: إن التكبير هو التعظيم من حيث اللغة، كما في قوله تعالى:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي: عظّمنه، وربّك فكبّر: أي فعظّم. فكل لفظ دلّ على التعظيم وجب أن يجوز