للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا قال علي القاري الحنفي في شرح موطأ محمّد فقولُ سهلٍ كان الناس يؤمرون الخ، يعني يأمرهم الخلفاء الأربعة أو الأمراء أو النبي عليه الصلاة والسلام، يعني أنه محتمل لذلك.

وقد نصّ أبو عمر بن عبد البر في التقصي على أن هذا الأثر موقوف على سهل ليس إلا. ويدل لما قاله المخالفون ما أخرجه ابن أبي شيبة عن حنظلة السَّدوسي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان يؤمر بالسَّوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حَجَرين ثم يضرب به. فقلت: في زمن من كان هذا؟ قال: في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.

وقوله: إن أبا حازم أراد الانتقال إلى التصريح فيه أن ما قاله ليس فيه تصريح لأن أبا حازم لم يقطع بأن الصحابي نَمَى ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-, وإنّما أتى بكلمة غير مفيدة للقطع وهي قوله لا أعلمه، ولو كان جازمًا قاصدًا لتصريح لقال بدل هذه العبارة نمي ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم, وحذف قوله لا أعلمه. فبقي كلامه على ما قاله الدالي سابقًا من أنه ظنّ منه.

وحيث إن المسألة خلافية يمكن أنه اعتمد شطر الخلافِ فلا يرد عليه بشطر الخلاف الذي لم يعتمده. وحيث كانت المسألة خلافية وإن كان الصحيح فيها أنَّ له حكم الرفع، فالحديث المروي بذلك لم يُقْطع بنسبته للنبي -صلى الله عليه وسلم -، لوجود الخلاف، ولذلك لم يَقْطع التابعيُّ أبوحازم بنسبتِه له عليه الصلاة والسلام.

هذا القدر كافٍ في ثبوت إعلال هذا الحديث. وهو أحد الوجهين اللذين أُعلّ بهما، ويأتي الآخر قريبًا. ثم قال في الفتح: قد ورد في سُنن أبي داود وصحيح ابن السَّكَنِ شيءٌ يستأنسُ به على تعيين الآمر والمأمور، فروي عن ابن مسعود قال: رآني النبي -صلى الله عليه وسلم- واضعًا يديَ اليسرى على يديَ اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى. قال في الفتح: إسناده حسن. قلت: بل في إسناده ضعف لأن مداره على الحجاج بن أبي زينب، وقد ضعّفه أحمد وابن المديني والنَّسائي والدارقطني، وقال الشوكاني في نيل الأوطار: هذا الحديث ضعيف.

وقوله قال أبو حازم يعني راوية بالسند المذكور إليه. وقوله لا أعلمه أي: سهل بن سعد. وقوله: إلاَّ يَنْمِي بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم من نَمَى الثلاثي، يقال: نَمَيْتُ الحديث إلى غيري رفعته وأسندته. وصرح بذلك معن بن عيسى وابن يوسف عند الإسماعيلي والدارقطني. وزاد ابن وهْب ثلاثتهم عن مالك بلفظ يرفع ذلك. ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينميه فمراده يرفع ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. ولو لم يقيّده يعني إذا كان النامي لذلك الصحابي. وكذا إذا قال التابعي عن الصحابي يرفعه أو يَبْلُغ به أو يرويه أو رواية, كحديث البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الشفاء في ثلاث: شَرْبة عسل وشرطة مِحجَمْ وكَيّة من نار، وأنهَى أمّتي عن الكيّ. رفع الحديث. وكحديث مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغُ به: الناس تَبَع لقريش. وفي الصحيحين بهذا السند عن أبي هريرة رواية تقاتلون قوماً صغار الأعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>