للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الانتهاء. وقيل: بالكاف لذهاب جميع الضوء، وبالخاء لبعضه. وقيل: بالخاء لذهاب كل اللون، وبالكاف لتغيره.

ومشروعيتها أمرٌ متفق عليه، لكن اختلف في الحكم وفي الصفة. فالجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرّح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، وحكى عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، وأوجبها بعض الحنفية. قالوا للأمر بها في حديث: فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، وقد دلّ عليها الكتاب في قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} والكسوف آية من آيات الله يخوّف الله به عباده، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى قريبًا.

وأمّا صفتها فهي عند الجمهور على ما هو مصرّح به في حديث الباب من زيادة قيامين وركوعين، وقد وافقت عائشة أسماء فيما يأتي في أبواب الكسوف، وكذلك عبد الله بن عباس وابن عمر فيما اتفقا عليه، وكذلك جابر عند مسلم، وعلي عند أحمد، وأبو هريرة عند النَّسائي، وابن عمر عند البزّار، وأم سفيان عند الطبراني. ففي رواياتهم زيادة رواها الحفّاظ الثقات، فالأخذ بها أولى من إلغائها، وبذلك قال جمهور أهل العلم من أهل الفتيا.

وقالت الحنفية إنها كهيئة النافلة بغير أذان ولا إقامة مثل: صلاة الفجر والجمعة في كل ركعة ركوع واحد. وبه قال النخعي والثوري وابن أبي ليلى وغيرهم. واحتجّوا بما أخرجه أبو داود والنَّسائي والترمذي في الشمائل عن عبد الله بن عمر. وقال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكد يركع، ثم ركع، فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك. وبما أخرجه النسائي وأحمد والحاكم، وقال على شرطهما عن النعمان بن بشير قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا خسفت الشمس والقمر فصلّوا كأحدث صلاة صلّيتموها من المكتوبة.

ورواه أبو داود والنَّسائي وابن ماجه بلفظ: كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل يصلّي ركعتين ركعتين، ويسأل عنها حتى انجلت، لكن قال البيهقي أنه مرسل لأنه عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير وأبو قلابة لم يسمع من النعمان وصرّح في الكمال بأنه سمع منه.

وقال ابن حزم: أبو قلابة أدرك النعمان، وروى هذا الخبر عنه، وصرّح ابن عبد البر بصحّة هذا الحديث، وقال: من أحسن حديث ذهب إليه الكوفيون حديث أبي قلابة عن النعمان، وتأوّله بعضهم بأن قوله في ركعتين أي: ركوعين، وقد وقع التعبير عن الركوع بالركعة في حديث الحسن: خسف القمر وابن عبّاس بالبصرة، فصلّى ركعتين: في كل ركعة ركوعان. أخرجه الشافعي.

وتحتمل أن يكون السؤال وقع بالإشارة فلا يلزم التكرار، وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أبي قلابة أنه -صلى الله عليه وسلم- كلّما ركع ركعة أرسل رجلًا ينظر هل انجلت، فتعين الاحتمال المذكور، وإن ثبت تعدد القصة زال الأشكال أصلًا، واستدلّوا أيضًا بما أخرجه البخاري عن أبي بكرة قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>