قال النَّوَوِيُّ: وقع في "الصحيحين" وغيرهما من كتب أئمة الحديث الاحتجاج بكثير من المبتدعة غير الدعاة إلى بدعتهم، ولم يزل الخَلَفُ والسَّلَفُ على قَبول الرواية عنهم، وما قاله أحد أقوال أربعة، وهو المعتمد، بل نقل ابن حِبّان الاتفاق عليه حيث قال: الداعية إلى البدعة لا يجوز الاحتجاج به عند أئمة الحديث قاطبة، لا أعلم بينهم فيه اختلافًا، لكن استغرب ابن حَجَر حكاية الاتفاق عليه.
وقيل: يُرَدُّ مطلقًا سواء الداعية وغيره، لأنه فاسقٌ ببدعته، وإن كان متأولا فالتحق بالفاسق غير المتأول، كما التحق الكافر المتأول بغير المتأول، وهذا يروى عن مالك وغيره، ونقله الآمِدِيُّ عن الأكثرين، وجزم به ابن الحاجب، وأنكره ابن الصَّلاح، وقال: إنه بعيدٌ مُباعِدٌ للشّائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة، كخالد بن مَخلد، وعُبيد الله بن موسى العَبْسي، وعبد الرَّزّاق بن همام، وعمرو بن دينار.
وقيل: يُرد إذا استحل الكذب نصرةً لمذهبه سواء دعا إلى مذهبه أم لا، وهو قول الشّافعيّ، فإنه قال أقبل شهادةَ أهل الأهواء إلا الخَطّابِيّة من الرّافضة، لأنهم يرون الشهادة بالزُّور لموافِقيهم، بخلاف ما إذا لم يَسْتَحِلَّ ذلك لأن اعتقاده حُرمة الكذب يمنعه منه، فيصدق.
والرابع: قول أبي الفَتْح القُشَيْريِّ وهو: إن وافَقَه أحدٌ لم يُلْتَفَت إليه إخمادًا لبدعته، وإطفاءً لنارِه، وإن لم يُوافِقه أحد، ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وَصَفْنا من صدقهِ، وتحرُّزه عن الكذب، واشتهاره بالدين، وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته، فَيَنْبَغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث، ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته، وإلى الأقوال الثلاثة الأُوَل أشار العراقيُّ بقوله:
والخُلْفُ في مُبْتدعٍ ما كُفِّرا ... قِيلَ: يُرَدُ مُطلقًا واسْتُنكِرا
وقيلَ: بَلْ إذا استَحَلَّ الكَذِبَا ... نُصْرَة مَذْهَب لَهُ ونُسِبا