وقوله:"عامدين" أي: قاصدين. وقوله:"إلى سوق عُكاظ" السوق مؤنثة، وربما ذكرت والتأنيث أغلب؛ لأنهم يحقرونها على سويقة واشتقاقها من سوق الناس إليها بضائعهم، وقيل سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم. وعُكاظ بضم العين وتخفيف الكاف وفي آخره ظاء معجمة. قال الليث: سميت عُكاظ لأن العرب كانت تجتمع فيها فيعكظ بعضهم بعضًا بالمفاخرة أي: يدعك، وقيل عُكاظ الرجل دابته إذا حبسها وتعكظ القوم تعكظًا إذا تحبسوا ينتظرون في أمرهم ومنه سميت عُكاظ وهي مصروفة لأهل الحجاز وغير مصروفة لتميم وهو موسم معروف للعرب بل كان من أعظم مواسمهم وهو نخل في وادي مكة والطائف وهو إلى الطائف أقرب بينهما عشرة أميال، وهو وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء اليمن في موضع يقال له الفُتُق بضم الفاء والمثناة بعدها قاف، وقيل: إن المكان الذي يجتمعون فيه منها يُقال له الابتداء، وكانت هناك صخور يطوفون بها، وقال البكري أول ما أحدثت قبل الفيل بخمس عشرة سنة، ولم تزل سوقًا إلي سنة تسع وعشرين ومائة، فخرج الخوارج فنهبوها فتركت إلى الآن، وكانوا يقيمون به جميع شوال يتبايعون ويتفاخرون وتنشد الشعراء ما تجدد لهم، وقد كثر ذلك في أشعارهم كقول حسان:
سأنشر إن حييت لكم كلامًا ... ينشَّر في المجامع من عُكاظ
وقال ابن التين: سوق عُكاظ من إضافة الشيء إلى نفسه، وعلى ما تقدم من أن السوق كانت تقام بمكان من عُكاظ يقال له الابتداء أو الفُتُق لا يكون كذلك، وأسند ابن الكلبي أن كل شريف كان إنما يحضر سوق بلده إلا سوق عُكاظ فإنهم كانوا يتوافون بها من كل جهة فكانت أعظم تلك الأسواق وفي حديث ابن عباس عند المؤلف في الحج كان ذو المجاز، وعُكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإِسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في مواسم الحج، وذو المَجاز بفتح الميم ذكر الفاكهاني عن ابن إسحاق أنها كانت بناحية عرفة إلى جانبها، وعن ابن الكلبي أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة. وعن الكرماني أنه كان بمنى وليس بشيء لما رواه الطبراني عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يتبايعون في الجاهلية بعرفة ولا بمنى، لكن أخرج الحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى، وعرفة، وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع، وهم حرم فأنزل الله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في مواسم الحج. قال عطاء: فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرؤها في المصحف.
وأما مجنة فعن ابن إسحاق أنها كانت بمر الظهران إلى جبل يقال له الأصغر وعن ابن الكلبي كانت بأسفل مكة على بريد منها غربي البيضاء وكانت لكنانة، وقد مرَّ أنهم يقيمون بعُكاظ جميع شوال، ثم يأتون مجنة فيقيمون بها عشرين ليلة من ذي القعدة ثم يأتون ذا المجاز فيقيمون به إلى وقت الحج وروى الزبير بن بكار عن حكيم بن حزام أن عُكاظ كانت تقام صبح هلال ذي القعدة