وقد أخرج التِّرمِذِيّ والطبري حديث الباب بسياق سالم من الإشكال المذكور عن أبي إسحاق عن أبن جبير عن ابن عباس قال: كانت الجن تصعد إلى السماء الدنيا يستمعون الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها أضعافًا الكلمة تكون حقًا وما زادوا يكون باطلًا فلما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- منعوا مقاعدهم ولم تكن النجوم قبل ذلك يرمى بها.
وأخرجه الطبري أيضًا وابن مردويه مطولًا عن ابن جبير وأوله كان للجن مقاعد في السماء يستمعون الوحي فبينما هم كذلك إذ بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- فدحرت الشياطين من السماء ورموا بالكواكب فجعل لا يصعد أحد منهم إلاَّ احتراق وفزع أهل الأرض لما رأوا من الكواكب، ولم تكن قبل ذلك فقالوا: هلك أهل السماء، وكان أهل الطائف أوّل مَنْ تفطن لذلك فعمدوا إلى أموالهم فسيبوها وإلى عبيدهم فعتقوها فقال لهم رجل: ويلكم لا تهلكوا أموالكم فإن معالمكم من الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شيء فأقلعوا. وعند أبي داود في كتاب "المبعث" عن الشعبي أن الذي قال لأهل الطائف ما قال هو عبد يالِيْل بن عمرو وكان قد عمي فقال: لا تعجلوا وانظروا، فإن كانت النجوم التي يرمى بها هي التي تعرف فهي عند فناء الناس وإن كانت لا تعرف فهو من حدث فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف فلم يلبثوا أن سمعوا بمبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقد أخرجه الطبري عن السدي مطولًا وذكره ابن إسحاق في مختصر ابن هشام بغير إسناد مطولًا زاد في رواية يونس بن بكير فساق سنده بذلك عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدثه عن عبيد الله بن عبد الله أنه حدثه أن رجلًا من ثقيف يقال له عمرو بن أمية كان من أدهى العرب، وكان أوّل مَنْ فزع لما رمي بالنجوم من الناس فذكر نحوه.
وأخرجه ابن سعد من وجه آخر عن يعقوب بن عتبة قال: أوّل العرب فزع من رمي النجوم ثقيف فأتوا عمرو بن أُمية وذكر الزبير بن بكار في النسب نحوه بغير سياقه ونسب القول المنسوب لعبد يا ليل لعتبة بن ربيعة فلعلهما تواردا على ذلك، وعند الطبري قال إبليس: حدث حدث في الأرض فأتى من كل أرض بتربة فشمها فقال لتربة تهامة هاهنا حدث الحدث فصرف نفرًا من الجن إليه فيهم الذين استمعوا القرآن فهذه الأخبار تدل على أن القصة وقعت أول البعثة وهو المعتمد وقد استشكل عياض وتبعه القرطبي، والنووي، وغيرهما من حديث الباب موضعًا آخر ولم يتعرضوا لما ذكرناه قال عياض: ظاهر الحديث أن الرمي بالشهب لم يكن قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- لإنكار الشياطين له وطلبهم سببه، ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب ومرجوعًا إليهم في حكمهم حتى قطع سببها بأن حِيل بين الشياطين وبين استراق السمع كما قال تعالى:{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} وقد جاءت أشعار العرب باستغراب رميها وإنكاره إذ لم يعهدوه قبل المبعث وكان ذلك أحد دلائل نبوته ويؤيده ما ذكر في الحديث من إنكار الشياطين قال: وقال بعضهم: لم تزل النجوم يرمى بها مذ كانت الدنيا واحتجوا