للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السماء، ورجم الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم وذلك أنا اجتمعنا عند كاهن لنا يُقال له خطر بن مالك وكان شيخًا كبيرًا قد أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة فقلنا: يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التي يرمى بها فإنا فزعنا منها وخفنا سوء عاقبتها؟ الحديث، وفيه فانقضّ نجم عظيم من السماء فصرخ الكاهن رافعًا صوته:

أصابه أصابه خامره عذابه

أحرقه شهابه

الأبيات. وفي الخبر أنه قال أيضًا:

قد منع السمع عتاة الجان ... بثاقب يتلف ذي سلطان

من أجل مبعوث عظيم الشان

وفيه أنه قال:

أرى لقومي ما أرى لنفسي ... أن يتبعوا خير بني الإنس

الحديث بطوله قال أبو عمر: سنده ضعيف جدًا ولولا فيه حكم لما ذكرته لكونه علمًا من أعلام النبوءة والأصول فإن قيل إذا كان الرمي بها غلظ وشدد بسبب نزول الوحي فهلا انقطع بانقطاع الوحي بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نشاهدها الآن يرمى بها، فالجواب يؤخذ من حديث الزهري المتقدم ففيه عند مسلم قالوا: كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فإنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا إذا قضى أمرًا أخبر أهل السماوات بعضهم بعضًا حتى يبلغ الخبر السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون به إلى أوليائهم". فيؤخذ من ذلك أن سبب التغليظ والحفظ لم ينقطع لما يتجدد من الحوادث التي تلقى بأمره إلى الملائكة فإن الشياطين مع شدة التغليظ عليهم في ذلك بعد المبعث لم ينقطع طمعهم في استراق السمع في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف بما بعده.

وقد قال عمر لغيلان بن سلمة لما طلق نساءه: إني أحسب أن الشياطين فيما تسترق السمع سمعت بأنك ستموت فألقت إليك ذلك الحديث. أخرجه عبد الرزاق وغيره. فهذا ظاهر في أن استراقهم السمع استمر بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانوا يقصدون استماع الشيء مما يحدث فلا يصلون إلى ذلك إلا أن اختطف أحدهم بخفة حركته خطفة فيتبعه شهاب فإن أصابه قبل أن يلقيها لأصحابه فأتت وإلا سمعوها وتداولوها.

وقوله: "ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث" القائل هو إبليس لعنه الله تعالى كما مرَّ.

وقوله: "فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها" أي: سيروا فيها كلها. ومنه قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، وعند أحمد عن ابن عباس فشكوا ذلك إلى إبليس

<<  <  ج: ص:  >  >>