العرش لا يعلم تأويله إلا الله، وقيل طابع الله على عباده يدفع به عنهم الآفات. وروى أيوب داود عن أبي زهير النميري الصحابي أن آمين مثل الطابع على الصحيفة، ثم ذكر قوله -صلى الله عليه وسلم- أن ختم بآمين فقد أوجب، ولا خلاف أن آمين ليس من القرآن، حتى قالوا: بارتداد مَنْ قال: إنه منه.
ثم قال: وقال عطاء: آمين دعاء أمن ابن الزبير ومَنْ وراءه حتى إن للمسجد للجة. وكان أبو هريرة ينادي الإِمام لا تفتني بآمين. هذا التعليق إلى قوله: بآمين. وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: قلت له: أكان ابن الزبير يؤمن على إثر أُم الكتاب؟ قال: نعم، ويؤمن مَنْ وراءه حتى إن للمسجد للجة. ثم قال: إنما آمين دعاء قال وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإِمام فيناديه فيقول: لا تسبقني بآمين وقوله: حتى ان للمسجد بكسر همزة إن أي: لأهل المسجد وقوله: بلام التأكيد واللجة بالفتح الصوت المرتفع وروي للجبة بالموحدة وسكون الجيم، وهي الأصوات المختلطة وروى البيهقيّ لرجة بالراء بدل اللام وقوله: لا تفُتني بضم الفاء وسكون المثناة من الفوات، وهي بمعنى ما مرَّ عن عبد الرزاق، ومراد أبي هريرة أن يؤمن مع الإِمام داخل الصلاة، وقد تمسك به بعض المالكية في أن الإِمام لا يؤمن، وقال معناه: لا تنازعني بالتأمين الذي هو من وظيفة المأموم وهذا تأويل بعيد قلت: مذهب المالكية أن الإِمام يؤمن في السر كما يأتي تحريره، وقد أخرج البيهقي عن أبي رافع قال: كان أبو هريرة يؤذن لمروان، فاشترط أن لا يسبقه بالضالين حتى يعلم أنه دخل في الصف وكأنه كان يشتغل بالإقامة، وتعديل الصفوف، وكان مروان يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبي هريرة، وكان أبو هريرة ينهاه عن ذلك، وقد وقع له ذلك مع غير مروان فروى سعيد بن منصور عن ابن سيرين أن أبا هريرة كان مؤذنًا بالبحرين وأنه اشترط على الإِمام أن لا يسبقه بآمين، والإمام بالبحرين كان العلاء بن الحضرمي كما بينه عبد الرزاق عن أبي سلمة عنه. وأخرج أبو داود عن بلال نحو قول أبي هريرة فروى عن أبي عثمان عن بلال أنه قال: يا رسول الله لا تستبقني بآمين.
ورجاله ثقات لكن قيل: إن أبا عثمان لم يلق بلالًا. وقد روى عنه بلفظ أن بلالًا قال وهو ظاهر في الإرسال، ورجحه الدارقطني، وغيره على الموصول. وهذا الحديث يضعف التأويل؛ لأن بلالًا لا يقع منه ما حمل هذا القائل كلام أبي هريرة عليه وتمسك به بعض الحنفية بأن الإمام يدخل في الصلاة قبل فراغ المؤذن من الإقامة، وفيه نظر؛ لأنهما واقعة عين وصببها محتمل فلا يصح التمسك بها قال ابن المنير: مناسبة قول عطاء للترجمة أنه حكم بأن التأمين دعاء فاقتضى ذلك أن يقوله الإِمام. لأنه في مقام الداعي بخلاف قول المانع أنها جواب للدعاء فيختص بالمأموم، وجوابه أن التأمين قائم مقام التلخيص بعد البسط، فالداعي فصل المفاسد بقوله: اهدنا الصراط المستقيم والمؤمن أتى بكلمة تشمل الجميع، فإن قالها الإِمام فكأنه دعا مرتين مفصلًا ومجملًا.
وعطاء هو ابن أبي رباح، وقد مرّ في التاسع والثلاثين من العلم، ومرَّ عبد الله بن الزبير في الثامن والأربعين منه، ومرّ أبو هريرة في الثاني من الإيمان، وقال نافع: كان ابن عمر لا يدعه