للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دجل أي: كذب والدّجال الكذاب. وأما عيسى فقيل سمي المسيح لأنه خرج من بطن أُمه ممسوحًا بالدهن، وقيل لأن زكرياء مسحه، وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برىء، وقيل لأنه كان يمسح الأرض بسياحته، وقيل لأن رجله كانت لا أخمص لها، وقيل للبسه المسوح وهو بالعبرانية ما شيخا فعرب المسيح، وقيل المسيح الصديق. وذكر مجد الدين صاحب "القاموس" أنه جمع في سبب تسمية عيسى بذلك خمسين قولًا أوردها في "شرح المشارق".

وقول: "فتنة المحيا وفتنة الممات" قال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا ما يعرض للإِنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت. وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وقد صح في حديث أسماء الماضي في كتاب العلم: "أنكم تفتنونَ في قبورِكم مثلَ أو قريبًا من فتنةِ الدَّجالِ". ولا يكون مع هذا متكررًا مع قوله عذاب القبر؛ لأن العذاب مرتب على الفتنة والسبب غير المسبب، وقيل أراد "بفتنة المحيا" الابتلاء مع زوال الصبر وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة، وهذا من العام بعد الخاص؛ لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات وفتنة الدَّجال داخلة تحت فتنة المحيا.

وأخرج الحكيم الترمذي في "نوادر الأُصول" عن سفيان الثوري: "أنَّ الميتَ إذا سُئِلَ مَنْ ربُّكَ تراءى له الشيطانُ فيشيرُ إلى نفسِهِ أنّي أنا ربُّك"؛ فلهذا ورد سؤال التثبيت حين يسأل. ثم أخرج بسند جيد إلى عمرو بن مرة كانوا يستحبون إذا وضع الميت في القبر أن يقولوا اللهم أعذه من الشيطان.

وقوله: "والمغرم" أي: الدين يقال غرِم بكسر الراء أي: أدان. قيل والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز أو فيما يجوز، ثم يعجز عن أدائه، ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك وقد استعاذ -صلى الله عليه وسلم- من غلبة الدين وقال القرطبي: المغرم الغرم وقد نبه في الحديث على الضرر اللاحق من المغرم، وإنما استعاذ منه لأنه يشين في الدنيا والآخرة. وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الدينُ رايةُ اللهِ في الأرض، فإذا أرادَ اللهُ أنْ يذلَ عبدًا وضعَهُ في عُنقِهِ". رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. وما في الحديث من التعوذ من المغرم يعارضه ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر يرفعه أن الله تعالى مع المدين حتى يقضى دينه ما لم يكن فيما يكرهه الله تعالى. وكان ابن جعفر يقول لخادمه: اذهب فخذ لي بدين فإني أكره أن أبيتَ الليلة إلا والله معي. قال الطبراني: وكلا الحديثين صحيح ويجمع بينهما بأن يكون الحديث فيمن استدان من غير حاجة طمعًا في مال أخيه ونحو ذلك. وحديث جعفر فيمن يستدين لاحتياجه احتياجًا شرعيًا ونيته القضاء، وإن لم يكن له سبيل إلى القضاء في ذلك الوقت؛ لأن الأعمال بالنيّات ونيّة المؤمن خيرٌ من عمله.

<<  <  ج: ص:  >  >>