وقوله:"والنعيم المقيم" وصفه بالإِقامة إشارة إلى ضده وهو النعيم العاجل، فإنه قلَّ ما يصفو وإن صفا فهو بصدد الزوال. وفي رواية محمد بن أبي عائشة المذكورة:"ذهب أصحاب الدثور بالأجور" وكذا لمسلم عن أبي ذرٍّ، وزاد المصنف في "الدعوات" من رواية ورقاء عن سمي قال: كيف ذلك؟ ونحوه لمسلم من رواية ابن عجلان عن سمي. وقوله:"ويصومون كما نصوم" زاد في حديث أبي الدرداء المذكور "ويذكرون كما نذكر"، وللبزار عن ابن عمر "صدقوا تصديقنا وآمنوا إيماننا".
وقوله:"ولهم فضل أموال" كذا للأكثر بالإضافة وفي رواية الأصيلي "فضل الأموال" وللكشميهنيّ "فضل من أموال". وقوله:"ويحجون" أي: ولا نحج يشكل عليه ما في رواية جعفر الفريابي عن أبي الدرداء: "ويحجون كما نحج". ونظيره ما وقع هنا "ويجاهدون وفي الدعوات" من رواية ورقاء عن سمي: "وجاهدوا كما جاهدنا" لكن الجواب عن هذا الثاني ظاهر وهو التفرقة بين الجهاد الماضي، فهو الذي اشتركوا فيه وبين الجهاد المتوقع، فهو الذي تقدر عليه أصحاب الأموال غالبًا ويمكن أن يقال مثله في الحج، ويحتمل أن يقرأ "يُحجون" بها بضم أوله من الرباعي أي يعينون غيرهم على الحج بالمال.
وقوله:"ويتصدقون" عند مسلم من رواية ابن عجلان عن سمي: "يتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق". وقوله: فقال ألا أحدثكم بما إن أخذتم به" في رواية الأصيلي بأمر "إن أخذتم به"، وكذا للإسماعيلي. وسقط قوله بما من أكثر الروايات وكذا قوله به، وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى. وفي رواية مسلم: "أفلا أعلمكم شيئًا"، وفي رواية أبي داود فقال: "يا أبا ذر ألا أعلمك كلماتٍ تقولُهنَّ".
وقوله: "أدركتم من سبقكم" أي: من أهل الأموال الذين امتازوا عليكم بالصدقة، والسبقية هنا تحتمل أن تكون معنوية وأن تكون حسيّة. قال الشيخ تقي الدين والأول أقرب، قلت: قد مرّ أن المعنوية تستلزم الحسيّة، وسقط قوله من سبقكم من رواية الأصيلي. وقوله: "وكنتم خير من أنتم بين ظهرانَيهم" بفتح النون وسكون التحتانية، وفي رواية كريمة وأبي الوقت ظهرانيه بالإفراد وكذا للإسماعيلي. وعند مسلم "ولا يكون أحد أفضل منكم" قيل ظاهره يخالف ما سبق لأن الإِدراك ظاهره المساواة، وهذا ظاهره الأفضلية. قلت: هذا اللفظ لا يقتضي الأفضلية تعيينًا، بل يحتمل المساواة والأفضلية وأجاب بعضهم بأن الإدراك لا يلزم منه المساواة، فقد يدرك ثم يفوق، وعلى هذا، فالتقرب بهذا الذكر راجح على التقرب بالمال ويحتمل أن يقال الضمير في كنتم للمجموع من السابق والمدرك، وكذا قوله: "إلا من عمل مثل عملكم" أي: من الفقراء فقال الذكر أو من الأغنياء فتصدق، أو أن الخطاب للفقراء خاصة لكن يشاركهم الأغنياء في الخيرية المذكورة، فيكون كل من الصنفين خيرًا ممن لا يتقرب بذكر ولا صدقة، ويشهد له قوله في حديث ابن عمر عند البزار أدركتم مثل فضلهم. ولمسلم عن أبي ذرٍّ: "أوليس قد جعلَ لكم ما تتصدقون أنّ بكلِّ تسبيحةٍ