الفرضية ومن التعميم في قوله: فهدانا الله له والناس لنا فيه تبَع. وقول الخطابي: أكثر الفقهاء أنها من فروض الكفاية غلط، وحكى أبو الطيب عن بعض أصحاب الشافعي غلط من قال: إنها فرض كفاية وهو ابن كج.
وفي "الدراية" صلاة الجمعة فريضة محكمة جاحدها كافر بالإجماع، وقد أجمعت الأُمة من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا على فرضيتها من غير إنكار، ووجوبها من جهة المعنى هو أنّا أُمرنا بترك الظهر لإِقامة الجمعة، والظهر فريضة ولا يجوز ترك الفرض إلا لفرض آكد منه وأولى، فدلّ على أن الجمعة آكد من الظهر في الفريضة، فصارت الجمعة فرض عين لكن اختلفوا في أصل الفرض في هذا الوقت. فقال الشافعي في "الجديد" وزفر ومالك وأحمد ومحمد في رواية فرض الوقت: الجمعة والظهر بدل منها. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي في "القديم": الفرض هو الظهر، وإنما أمر غير المعذور بإسقاطه بأداء الجمعة. وقال محمد في رواية فرضه أحدهما غير عين والتعيين إليه.
وفائدة الخلاف تظهر في حر مقيم أدى الظهر في أول وقته يجوز مطلقًا حتى لو خرج بعد أداء الظهر إليها، ولم يخرج لم يبطل فرضه لكن عند أبي حنيفة تبطل بمجرد السعي مطلقًا، وعندهما لا تبطل إلا إذا أدرك. وعند الشافعي ومالك لا يجوز ظهره سواء أدرك الجمعة أو لا خرج إليها أم لا.
وقوله:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} أراد بهذا النداء الأذان عند قعود الإمام على المنبر للخطبة يدل لذلك ما روى الزهري عن السائب بن يزيد: "كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤذنٌ واحدٌ لم يكنِ له مؤذنٌ غيرُهُ، وكانَ إذا جلسَ -صلى الله عليه وسلم- على المنبرِ أذّنَ على المسجدِ فإذا نزلَ أقامَ الصلاةَ، ثم كان أبو بكرٍ -رضي الله تعالى عنه- كذلكَ وعمرُ -رضي الله تعالى عنه- كذلكَ حتى إذا كان عثمانُ -رضي الله تعالى عنه- وكثرتْ الناسُ وتباعدتْ المنازلُ زادَ إذانًا فأمر بالتاذين الأول على دارٍ له بالسوقِ يقالُ لها "الزوراءُ" فكانَ يؤذَّنُ له عليها، فإذا جلسَ عثمانُ -رضي الله تعالى عنه- أذّنَ مؤذنُهُ الأولُ، فإذا نزلَ أقامَ الصلاةَ فلمْ يعبْ ذلكَ عليهِ أحدٌ".
وقوله:{مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} بيان (لإذا) وتفسير له وقيل من يوم الجمعة في يوم الجمعة كقوله تعالى: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} أي: في الأرض. وقوله:{إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أي: إلى الصلاة. وعن سعيد بن المسيب {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} موعظة الإمام. وقيل:{إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} إلى الخطبة والصلاة.
وقوله:{وَذَرُوا الْبَيْعَ} اتركوا البيع والشراء؛ لأن البيع يتناول المعنيين جميعًا وإنما يحرم البيع عند الأذان. وقال الزهري عند خروج الإمام، وقال سماك: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء، وقيل: أراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا وإنما خص البيع من بينها؛ لأن يوم الجمعة يوم يهبط الناس فيه من قراهم وبواديهم وينصبون إلى المصر من كل أوب ووقت هبوطهم