للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلفظ عند كل صلاة، وكذا النسائي عن قتيبة عن مالك وكذا رواه مسلم عن أبي الزناد، وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال: "مع الوضوء" بدل الصلاة أخرجه أحمد.

والتوفيق بين الروايتين بأن السواك الواقع عند الوضوء واقع للصلاة؛ لأن الوضوء شرع لها وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين.

أحدهما: أنه نفى الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي.

ثانيهما: أنه جعل الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه؛ لأنه جائز الترك. وقال أبو إسحاق: في هذا الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة ليس بأمر حقيقة؛ لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به، ويؤكده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ: "لفرضت عليهم" بدل لأمرتهم.

وقال الشافعي: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجبًا لأمرهم به شق عليه أو لم يشق، وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم بل ادّعى بعضهم فيه الإِجماع، لكن حكى أبو حامد والماوردي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب لكل صلاة فمن تركه عامدًا بطلت صلاته. وعن داود أنه قال: واجب لكن ليس شرطًا، واحتج مَنْ قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعًا "تَسَوَّكُوا".

ولأحمد نحوه عن العباس. وفي "الموطأ" في أثناء حديث "عليكم بالسواك" ولا يثبت شيء منها، وعلى تقدير الصحة فالمنفي في حديث الباب الأمر به مقيدًا بكل صلاة لا مطلق الأمر، ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق، ولا من ثبوت المطلق التكرار كما يأتي، واستدل بقوله كل صلاة على استحبابه للفرائض والنوافل، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة، وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعًا لغيرها كصلاة العيد، وهذا اختيار أبي شامة ويتأيد بقوله في حديث أُم حبيبة عند أحمد بلفظ: "لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضؤون". وله عن أبي هريرة بلفظ: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك" فسوّى بينهما. وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا أن طال الفصل مثلًا فكذلك السواك. ويمكن أن يفرق بينهما بأن الوضوء أشق من السواك.

ويتأيد بما رواه ابن ماجه عن ابن عباس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي ركعتين ثم ينصرف فيستاك" وإسناده صحيح، لكنه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود. وبيّن فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نوم، وأصل الحديث في "مسلم" أيضًا مبيتًا واستدل به على أن الأمر يقتضي التكرار؛ لأن الحديث دلّ على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك ولا مشقة في وجوبه مرة، وإنما المشقة في وجوب التكرار.

وفي هذا البحث نظر؛ لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر وإنما أخذ من تقييده بكل

<<  <  ج: ص:  >  >>