الحديث، وأن مالكًا امتنع من الرواية عنه لأجله، وأن الناس تركوا العمل به لاسيما أهل المدينة، لكن سعد لم ينفرد به مطلقًا. فقد أخرجه مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله. وكذا ابن ماجه والطبراني عن ابن مسعود وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص والطبراني في "الأوسط" عن علي وقوله: "إن الناس تركوا العمل به" غير صحيح؛ لأن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قد قالوا به، كما نقله ابن المنذر وغيره. ومشهور مذهب مالك أن تعمد قراءة سورة فيها (سجدة) في الفريضة أو الخطبة مكروه سواء (ألم السجدة) أو غيرها؛ لأنه إن لم يسجد دخل في الوعيد في قوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} وإن سجد زاد في أعداد سجودها. وإذا تعمد قراءتها سجدها إن كان في الفريضة دون الخطبة لإِخلاله بنظامه، وهل تبطل الخطبة بالسجود؟ والظاهر عدم البطلان ويسجد في الفريضة ولو في وقت نهي ما لم يتعمد قراءتها عالمًا أنه وقت نهي فلا يسجد والصحيح في علة النهي عند المالكية كونها ليس عليها عمل أهل المدينة.
قال ابن العربي: وهو أمر لم يعلم بالمدينة، وقيل النهي عنها خشية التخليط على المصلين، ومن ثم فرّق بعضهم بين الجهرية والسرية؛ لأن الجهرية يؤمن معها التخليط، لكن صح من حديث ابن عمر أنه -صلى الله عليه وسلم- قرأ سورة فيها (سجدة) في صلاة الظهر، فسجد بهم فيها أخرجه أبو داود والحاكم، فبطلت التفرقة.
ومنهم مَنْ علّل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض، قال ابن دقيق العيد: أما القول بالكراهة مطلقًا، فالحديث يأباه لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة، فينبغي أن تترك أحيانًا لتندفع، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات، وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله: ينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب ويقطع أحيانًا؛ لئلا تظنه العامة سُنة. ومذهب الكوفيين كراهة قراءة شيء من القرآن موقتة لشيء من الصلوات، وأن يقرأ سورة (السجدة) و (هل أتى) في الفجر في كل جمعة.
وقال الطحاوي: معناه إذا رآه حتمًا واجبًا لا يجزىء غيره أو رأى القراءة بغيرها مكروهة. أما لو قرأها في تلك الصلاة تبركًا أو تأسيًا بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أو لأجل التيسير، فلا كراهة. وفي "المحيط" بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانًا؛ لئلا يظن الجاهل أنه لا يجوز غيره، وهل يقرأ فيها (سجدة) غير الم منع منه ابن عبد السلام. وقال: إنه مبطل للصلاة، وقال النووي في "زيادات الروضة": لم أرَ فيه كلامًا لأصحابنا، وقياس مذهبنا أنه يكره في الصلاة إذا قصده ومقتضاه عدم البطلان. وفي "المهمات" مقتضى كلام القاضي الحسين الجواز.
وفي "فوائد المهذب" للفارقي: لا تستحب قراءة (سجدة) غير تنزيل، فإن ضاق الوقت عن قراءتها قرأ بما أمكن منها، ولو بآية (السجدة) منها، ووافقه ابن أبي عصرون في كتاب "الانتصار".
وعند ابن أبي شيبة بإسناد قوي عن إبراهيم النخعي أنه قال: يستحب أن يقرأ في صبح الجمعة