وقوله:"أرسل" إلى آخره هو شرح الجواب. وقوله:"إلى فلانة امرأة من الأنصار" في رواية أبي غسان كما سيأتي في الهبة امرأة من المهاجرين، وهو وَهْم من أبي غسان لإطباق أصحاب أبي حازم على قولهم من الأنصار، وكذا قال أيمن عن جابر كما سيأتي في "علامات النبوءة". وقد مرّ الكلام على اسمها في الباب المذكور آنفًا.
وقوله:"مُري غلامَكَ النجار" قد مرَّ في الباب المذكور ما في اسمه من الخلاف. وقوله:"فعملها من طرفاء الغابة" في رواية سفيان عن أبي حازم كما مرَّ في الباب المذكور من "أثل الغاب" ولا مغايرة بينهما فإن الأثل هو الطرفاء، وقيل: يشبه الطرفاء وهو أعظم منه والغابة بالمعجمة وتخفيف الموحدة موضع من عوالي المدينة من جهة الشام، وهي اسم قرية بالبحرين أيضًا، وأصلها كلها شجر ملتف.
وقوله:"فأرسلت" أي: المرأة تعلم بأنه فرغ. وقوله:"فأمر بها فوضعت" أنث لإرادة الدرجات والأعواد ففي رواية مسلم عن عبد العزيز بن أبي حازم فعمل له هذه الدرجات الثلاث.
وقوله:"ثم رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلّى عليها" أي: على الأعواد، وكانت صلاته على الدرجة العليا من المنبر. وقوله:"وكبِّر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى" لم يذكر في هذه الرواية القراءة بعد التكبيرة ولا القيام بعد الركوع. وقد تبيّن ذلك في رواية سفيان عن أبي حازم الماضية في الباب المذكور. ولفظه:"كبّر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى". والقهقرى بالقصر المشي إلى خلف والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة.
وعند الطبراني عن هشام بن سعد عن أبي حازم:"فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبّر وهو على المنبر" فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة.
وقوله:"في أصل المنبر" أي: على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه. وقوله:"ثم عاد" زاد مسلم من رواية عبد العزيز: "حتى فرغ من صلاته".
وقوله:"ولتعلَّموا" بكسر اللام وفتح المثناة وتشديد اللام أي: لتتعلموا، وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه مَنْ قد تخفى عليه رؤيته إذا صلّى على الأرض.
ويستفاد منه أن مَنْ فعل شيئًا يخالف العادة يبين حكمته لأصحابه، وفيه مشروعية الخطبة على المنبر لكل خطيب خليفة كان أو غيره، وفيه جواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل، وجواز العمل اليسير في الصلاة، وكذا الكثير أن تفرق. وقد مرّ البحث فيه عند حديث أُمامة في باب:(إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة). وفيه جواز ارتفاع الإمام في باب (الصلاة في السطوح) وفيه استحباب اتخاذ المنبر؛ لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه، واستحباب لافتتاح بالصلاة في كل شيء جديد إما شكرًا وإما تبركًا.