وأجابوا عن حديث يعلى بأنه أمر بالقبول، والأمر للوجوب، وأجاب الآخرون عن الأحاديث المذكورة بأن الأول مؤول بأنه كالتام في الصحة والإجزاء، وعن الأخيرين بأنهما لا ينفيان جواز الزيادة.
وقوله:{إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: بالقتال والتعرض لما يكره، وهو شرط باعتبار الغالب في ذلك الوقت وإنما لم يعتبر مفهومه الذي هو اختصاص القصر بالخوف، لحديث يعلي بن أمية السابق، فقد قال فيه: "فاقبلوا صدقته" فثبت القصر في الأمن ببيان السنة، وبأن الإجماع على جواز القصر في السفر من غير خوف. وقوله:{وَإِذَا كُنْتَ} أيها الرسول علمه طريق صلاة الخوف ليقتدي به الأئمة بعده عليه الصلاة والسلام وقوله: {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} تمسك بمفهومه أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه وإبراهيم بن علية.
وحكي عن المزني صاحب الشافعي فقالوا: ليس هذا لغيره؛ لأنها إنما شرعت بخلاف القياس لإِحراز فضيلة الصلاة معه -صلى الله عليه وسلم-، وهذا المعنى انعدم بعده واحتج عليهم بإجماع الصحابة على فعل ذلك بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبقوله عليه الصلاة والسلام: "صلُّوا كما رأيتموني أُصلّي" فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم. وادعى المزني نسخها لتركه عليه الصلاة والسلام لها يوم الخندق.
وأجيب بتأخر نزولها عنه، لأنها نزلت سنة ست والخندق كانت سنة أربع أو خمس على الصحيح فيهما. وقال ابن العربي وغيره شرط كونه عليه الصلاة والسلام فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده، والتقدير (بيّن لهم بفعلك لكونه أوضح من القول) ثم إن الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوي كالقصر، والكيفية وردت لبيان الحذر من العدو وذلك لا يقتضي التخصيص بقوم دون قوم.
وقال الزين بن المنير: الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف في قوله تعالى {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ}.
وقال الطحاوي: كان أبو يوسف قد قال مرة: لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وزعم أن الناس إنما صلوها لفضل الصلاة معه عليه الصلاة والسلام. قال: وهذا القول ليس بشيء عندنا، وكان محمد بن شجاع يعيبه ويقول: إن الصلاة خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كانت أفضل من الصلاة مع الناس جميعًا إلا أنه يقطعها ما يقطع الصلاة خلف غيره.
وقوله:{فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} أي فاجعلهم طائفتين، فلتقم إحداهما معك يصلون وتقوم الطائفة الأخرى في وجه العدو.