بها في ذلك، والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد، فلو كانوا ثلاثة ووقع لهم الخوف جاز لأحدهم أن يصلّي بواحد ويحرس واحد ثم يصلّي الآخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقًا، لكن قال الشافعي: أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة؛ لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع في قوله:{أسْلِحَتَهُمْ} وأقله ثلاثة، فأقل الطائفة هنا ثلاثة، وهذا النوع بكيفيتها حيث يكون العدو في غير القبلة أو فيها لكن حال دونهم حائل يمنع رؤيتهم لو هجموا.
قال القسطلاني: ويجوز للإِمام أن يصلِّي مرتين كل مرة بفرقة فتكون الثانية له نافلة، وهذه صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببطن نخل رواها الشيخان، لكن الأولى أفضل من هذه؛ لأنها أعدل بين الطائفتين ولسلامتها عما في هذه من اقتداء المفترض بالمتنفل فيه.
قلت: هذه على مذهبه، وأما على مذهبنا معاشر المالكية فصلاة المفترض بالمتنفل باطلة. قال: وتتأتى في تلك أي: الصلاة الأولى صلاة الجمعة بشرط أن يخطب بجميعهم ثم يفرقهم فرقتين أو يخطب بفرقة ثم يجعل منها مع كل من الفرقتين أربعين، فلو خطب بفرقه وصلّى بأخرى لم يجز، وكذا لو نقصت الفرقة الأولى عن الأربعين وإن نقصت الثانية فطريقان أصحهما لا يضر للحاجة والمسامحة في صلاة الخوف، ذكره في "المجموع".
وأما إن كانوا في جهة القبلة فيأتي قريبًا في باب (يحرس بعضهم بعضًا) إن شاء الله تعالى، وإن كانت الصلاة رباعية وهم في الحضر أو في السفر وأتموا صلّى بكل فرقة ركعتين وتشهد بهما، وانتظر الثانية في جلوس التشهد أو قيام الثالثة وهو أفضل؛ لأنه محل التطويل بخلاف جلوس التشهد الأول وإن كانت مغربًا صلّى بفرقة ركعتين وبالثانية ركعة وهو أفضل من عكسه لسلامته من التطويل في عكسه بزيادة تشهد في أول الثانية وينتظر الثانية في الركعة الثالثة أي في القيام لها. وهذا كله إذا لم يشتد الخوف، أما إذا اشتد الخوف فيأتي حكمه في الباب التالي إن شاء الله تعالى.
واستدل به على عظم الجماعة، بل على ترجيح القول بوجوبها لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها، ولو صلّى كل امرىء منفردًا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك، وقد وردت في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة، ورجح ابن عبد البر الكيفية الواردة في حديث ابن عمر هذا على غيرها لقوة الإِسناد ولموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه.
وعن أحمد قال: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز، ومال إلى ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة المار قريبًا، ولم يختر إسحاق شيئًا على شيء وبه قال الطبري وغير واحد منهم ابن المنذر، وسرد ثمانية أوجه وكذا ابن حبان في "صحيحه" وزاد تاسعًا. وقال ابن حزم: صح فيها أربعة عشر وجهاً وبينها في جزء مفرد.
وقال ابن العربي في القبس: جاءت فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة، ولم