للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البخاري أو أن البخاري كتبه من حفظه، ولم يراع اللفظ كما عرف من مذهبه في تجويز ذلك بخلاف مسلم، فإنه يحافظ على اللفظ كثيرًا وإنما لم أجوز عكسه لموافقة من وافق مسلمًا على لفظه بخلاف البخاري، لكن موافقة أبي حفص السلمي له تؤيد الاحتمال الأول، وهذا كله من حيث حديث ابن عمر، أما بالنظر إلى غيره فالاحتمال؛ لأن المتقدم أن في كونه قال الظهر لطائفة والعصر لطائفة متجه فيحتمل أن تكون رواية الظهر هي التي سمعها ابن عمر ورواية العصر هي التي سمعها كعب بن مالك.

وقوله: "إلا في بني قريظة" بضم القاف وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الظاء المعجمة وفي آخره هاء، وهم فرقة من اليهود. وقريظة والنضير والنحام وعمرو وهو هدل بنو الخزرج بن الصريح بن تومان بن السمط ينتهي إلى إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام.

وقال ابن دريد: القَرَظ ضرب من الشجر يدبغ به يقال أديم مقروظ، وتصغيره قريظة، وبه سمي البطن من اليهود.

وقوله: "فأدرك بعضهم" الضمير فيه يرجع إلى لفظ أحد وفي بعضهم الثاني والثالث إلى البعض.

وقوله: "لم يرد منا" بالبناء للمجهول أو للفاعل أي المراد من قوله: "لا يصلِّينَّ أحد" لازمه وهو الاستعجال في الذهاب إلى بني قريظة لا حقيقة ترك الصلاة أصلًا. ولم يعنفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مخالفة النهي؛ لأنهم فهموا منه الكناية عن العجلة، ولا التاركين للصلاة المؤخرين عن وقتها لحملهم النهي على ظاهره.

وقال السهيلي وغيره في هذا الحديث من الفقه: أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، وعلى من استنبط من النص معنى يخصصه وفيه ما استنبطه منه ابن حبان وهو معنى حسن حيث قال: لو كان تأخير المرء للصلاة عن وقتها إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى يلزمه بذلك اسم الكفر لما أمر المصطفى -عليه الصلاة والسلام- بذلك، وفيه كما قال السهيلي دليل على أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب إذ لا يستحيل أن يكون الشيء صوابًا في حق إنسان خطأً في حق غيره، وإنما المحال أن تحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخص واحد، والأصل في ذلك أن الحظر والإباحة صفات أحكام لا أعيان، فكل مجتهد وافق اجتهاده وجهًا من التأويل فهو مصيب، وإنما عسر فهم هذا الأصل على طائفتين: الظاهرية، والمعتزلة.

أما الظاهرية فهم علقوا الأحكام بالنصوص فاستحال عندهم أن يكون النص يأتي بحظر وإباحة معًا إلا على وجه النسخ.

وأما المعتزلة، فإنهم علقوا الأحكام بتقبيح العقل وتحسينه، فصار حسن الفعل عندهم أو قبحه

<<  <  ج: ص:  >  >>