وقوله:"بغناء بعاث" بكسر الغين المعجمة وبالمد، قال الجوهري: الغناء بالكسر من السماع وبالفتح النفع وبُعاث بضم الموحدة وبعدها مهملة وآخره مثلثة.
قال عياض ومن تبعه: أعجمها أبو عبيد وحده. وقال ابن الأثير أعجمها الخليل وحده. وجزم أبو موسى بأنه تصحيف، وتبعه صاحب "النهاية". ولأحمد عن هشام يذكر أن يوم بعاث يوم قتل فيه صناديد الأوس والخزرج.
وقال البكري هو موضع من المدينة على ليلتين.
وقال أبو موسى وصاحب النهاية هو حصن للأوس. وفي كتاب أبي الفرج الأصفهاني هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم، وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك ولا منافاة بين القولين، والأشهر فيه ترك الصرف.
وقال الخطابي: يوم بعاث يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإِسلام على ما ذكر ابن إسحاق، وتبعه غيره من شراح "الصحيحين". قال في "الفتح": وفيه نظر لإيهامه أن الحرب التي وقعت يوم بعاث دامت هذه المدة، وليس كذلك لما يأتي في أوائل الهجرة عن عائشة قالت:"كانَ يومُ بعاثَ يومًا قدمهُ اللهُ لرسولِه فقدمَ المدينةَ وقد افترقَ ملؤهم وقتلتْ سراتُهم". وكذا ذكره ابن إسحاق وغيره من أصحاب الأخبار. وقد روى ابن سعد بأسانيده أن النفر الستة أو الثمانية الذين لقوا النبي -عليه الصلاة والسلام- (بمِنى) أول من لقيه من الأنصار، وكانوا قد قدموا إلى مكة ليحالفوا قريشًا كان في جملة ما قالوه له لما دعاهم إلى الإِسلام والنصر له أعلم إنما كانت وقعة بعاث عام الأول فموعدك الموسم القابل، فقدموا في السنة التي تليها فبايعوه وهي البيعة الأولى، ثم قدموا الثانية فبايعوه وهم سبعون نفسًا، وهاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- في أوائل السنة التي تليها، فدل ذلك على أن وقعة بعاث كانت قبل الهجرة بثلاث سنين وهو المعتمد، وهو أصح من قول ابن عبد البر في ترجمة زيد بن ثابت من "الاستيعاب" أنه كان يوم بعاث ابن ست سنين وحين قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- كان ابن إحدى عشرة. فيكون يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين.
نعم، دامت الحرب بين الحيين: الأوس، والخزرج المدة التي ذكرها في أيام كثيرة شهيرة، وكان أولها فيما ذكره ابن إسحاق وهشام بن الكلبي وغيرهما أن الأوس والخزرج لما نزلوا المدينة وجدوا اليهود مستوطنين لها فحالفوهم وكانوا تحت قهرهم، ثم غلبوا اليهود في قصة طويلة بمساعدة أبي جبيلة ملك غسان، فلم يزالوا على اتفاق بينهم حتى كانت أول حرب وقعت بينهم حرب (سُمَير) بالمهملة مصغر بسبب رجل يقال له كعب من بني ثعلبة نزل على مالك بن عجلان الخزرجي فحالفه فقتله رجل من الأوس يقال له سمير، فكان ذلك سبب الحرب بين الحيين. ثم كانت بينهم وقائع من أشهرها يوم (السرارة) بمهملات ويوم (فارع) بفاء ومهملة، ويوم (الفجار)