اللحم بكونه مشتهى وبكونه مكروهًا لا تناقض فيه، وإنما هو باعتبارين: فمن حيث إن العادة جرت فيه بالذبائح فالنفس تتشوق له يكون مشتهى، ومن حيث توارد الجميع عليه حتى يكثر يصير مملولًا فاطلقت عليه الكراهة، لذلك فحيث وصفه بكونه مشتهى أراد ابتداء حاله، وحيث وصفه بأنه مكروه أراد انتهاءه، ومن ثم استعجل بالذبح ليفوز بتحصيل الصفة الأولى.
وعند مسلم عن الشعبي فقال خالي:"يا رسول الله قد نسكت عن ابن لي" وقد استشكل هذا والظاهر أن مراده أنه ضحى لأجله للمعنى الذي ذكره في أهله وجيرانه فخص ولده بالذكر؛ لأنه أخص بذلك عنده حتى يستغنى ولده بما عنده عن التشوف إلى ما عند غيره.
وقوله:"وذكر جيرانه" وفي رواية "وذكر هَنَة من جيرانه" وهي بفتح الهاء والنون الخفيفة بعدها هاء تأنيث حاجة من جيرانه إلى اللحم.
وقوله:"فكأنه -صلى الله عليه وسلم- صدّقه" وفي رواية "عذره" بتخفيف الذال المعجمة من العُذْر أي قبل عذره، ولكن لم يجعل ما فعله كافيًا، وكذلك أمره بالإعادة قال ابن دقيق: فيه دليل على أن المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر فيها بالجهل، والفرق بين المأمورات والمنهيات أن المقصود من المأمورات إقامة مصالحها وذلك لا يحصل بالفعل، والمقصود من المنهيات الكف عنها بسبب مفاسدها، ومع الجهل والنسيان لم يقصد المكلف فعلها فيعذر.
وفي رواية عند مسلم "وإني عجلت فيه نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري".
وقوله:"فقال وعندي جَذَعة أحبّ إلى من شاتي لحم" وعندي جذعة معطوف على كلام الرجل الذي عني الراوي بقوله، وذكر "هنة من جيرانه" تقديره هذا يوم يشتهى فيه اللحم ولجيراني حاجة فذبحت قبل الصلاة، وعندي جذعة أي بالتحريك، والجذعة المذكورة من المعز كما هو مصرح به في حديث البراء في "الأضاحي" فقال: "عندي داجنًا جذعة من المعز" والداجن التي تألف البيوت وتستأنس، وليس لها سن معين ولما صار هذا الاسم علمًا على ما تألف البيوت اضمحل الوصف عنه فاستوى فيه المذكر والمؤنث.
والجَذَعة بالتحريك وصف لسن معين من بهيمة الأنعام. فمن الضأن ما أكمل السنة وهو قول الجمهور، وهو قول مالك، والأصح عند الشافعي والأشهر عند أهل اللغة. وقيل دونها ثم اختلف في تقديره فقيل نصف سنة وهو قول الحنفية والحنابلة.
وقيل سبعة أشهر وحكاه صاحب "الهداية" من الحنفية عن الزعفراني.
وقيل ستة أو سبعة حكاه الترمذي عن وكيع.
وقيل بالتفرقة بين ما تولد بين شابين فيكون له نصف سنة أو بين هرمين فيكون ابن ثمانية.