للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزىء بعد طلوع الشمس، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية سواء صلى العيد أم لا، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا ويستوي في ذلك أهل العصر والحاضر والبادي، وقال الأوزاعي بمثل قول مالك.

قال القرطبي: ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها. وقال أبو حنيفة والليث: "لا ذبح قبل الصلاة، ويجوز بعدها ولو لم يذبح الإمام. وهذا خاص بأهل العصر وأما أهل القرى والبوادي فيدخل وقت الأضحية عندهم إذا طلع الفجر الثاني.

وقال مالك: يذبحون إذا نحر أقرب الأئمة إليهم فإن نحروا قبل أجزأهم. وقال عطاء وربيعة: يذبح أهل القرى بعد طلوع الشمس. وقال أحمد وإسحاق: إذا فرغ الإمام من الصلاة جازت الأضحية، وهو وجه للشافعية قوي من حيث الدليل وإن ضعفه بعضهم. ومثله قول الثوري: يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفي أثنائها، ويحتمل أن يكون قوله في بعض روايات حديث البراء، فلا يذبح حتى ينصرف أي من الصلاة كما في الروايات الآخر وأصرح من ذلك ما وقع عند أحمد عن يزيد بن البراء عن أبيه رفعه "إنما الذبح بعد الصلاة". وفي حديث جندب عند مسلم "منْ ذبحَ قبل أن يصلِّيَ فليذبحْ مكانها أخرى".

قال ابن دقيق العبد: هذا اللفظ أظهر في اعتبار فعل الصلاة من حيث البراء أي حيث جاء فيه "مَنْ ذبحَ قبلَ الصلاةِ" لكن قال: إن أجريناه على ظاهره اقتضى أن لا تجزىء الأضحية في حق من لم يصل العيد، فإن ذهب إليه أحد فهو أسعد الناس بظاهر هذا الحديث، وإلا وجب الخروج عن هذا الظاهر في هذه الصورة، ويبقى ما عداها في محل البحث وتعقب بأنه قد وقع في "صحيح مسلم" في ش واية أخرى قبل أن يصلي أو نصلي بالشك. قال النووي: الأولى بالياء، والثانية بالنون، وهو شك من الراوي؛ فعلى هذا إذا كان بلفظ يصلي ساوى لفظ حديث البراء في تعليق الحكم بفعل الصلاة.

وعند البخاري في حديث جندب في الذبائح بمثل لفظ البراء، وهو خلاف ما يوهمه سياق صاحب "العمدة" فإنه ساقه على لفظ مسلم وهو ظاهر في اعتبار فعل الصلاة، فإن إطلاق لفظ الصلاة وإرادة وقتها خلاف الظاهر، وأظهر من ذلك قوله: "قبل أن نصلي" بالنون وكذا قوله قبل أن ننصرف سواء قلنا من الصلاة أم من الخطبة.

وادعى بعض الشافعية أن قوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ ذبَح قبل أنْ يصلِّي فليذبحْ مكانها أخرى" أي: بعد أن يتوجه من مكان هذا القول؛ لأنه خاطب بذلك من حضره فكأنه قال من ذبح قبل فعل هذا من الصلاة والخطبة فليذبح أخرى أي: فلا يعتد بما ذبحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>