للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللهِ أتيناكَ وما لنا بعيرٌ يئطُ ولا صبي يغطُ ثم أنشدَ:

أتيناك والعذراء يدمَى لَبانُها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل

وألقى بكفيه الصبي استكانة ... من الجوع ضعفًا ما يُمر وما يُحلي

ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العاهي والعِلْهَز الفَسل

وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل

فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجر رداءَهُ حتى صعدَ المنبرَ فحمدَ الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: اللَّهُمَّ اسقنا" الحديث. وفيه "فجاء أهلُ البطانةِ يصيحونَ الغرقَ الغرقَ فضحك رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حتى بدتْ نواجذُه ثم قال: لله درُّ أبي طالب لو كان حاضرًا لقرتْ عينُهُ ثم قال من ينشدنا؟ فقال علي: يا رسولَ اللهِ كأنكَ أردتَ قوله:

وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجههِ .. الأبيات فظهرت بذلك مناسبة حديث ابن عمر للترجمة وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف، لكنه يصلح للمتابعة.

وقد ذكره ابن هشام في زوائده في "السير" عمن يثق به تعليقًا.

وقوله: "يئط" بفتح أوله وكسر الهمزة وكذلك"يغط" بالمعجمة. والأطيط صوت البعير المثقل والغطيط صوت النائم، وكنى بذلك عن شدة الجوع؛ لأنهما إنما يقعان غالبًا عند الشبع واللبان بفتح اللام الصدر أي يدمى لامتهانها في الخدمة.

وقوله: "ما يُمر" بضم أوله وكذلك "يُحلى" والأول من المرارة كناية عن الشر، والثاني من الحلاوة كناية عن الخير.

"العاهي" من العاهة وهي الأفة، و"العِلْهَز" بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وهو شيء يتخذونه في سني المجاعة يخلطون الدم بأوبار الإبل ثم يشوونه بالنار ويأكلونه.

"والفَسل" بفتح الفاء الردي. وقوله: "يتمثل" أي ينشد شعر غيره. وقوله: "وأبيض" بفتح الضاد وهو مجرور برب مقدرة أو منصوب بإضمار أعني أو أخص، والراجح أنه منصوب عطف على قوله سيدًا في البيت الذي قبله وهو:

وما ترك قومٍ لا أبا لك سيدًا ... يحوط الذمار بين بكر بن وائل

وقوله: "ثمال" بكسر المثلثة وتخفيف الميم هو العماد والملجأ والمطعم والمغيث والمعين والكافي قد أطلق على كل من ذلك قوله: "عصمة للأرامل" أي: يمنعهم مما يضرهم. والأرامل جمع أرملة وهي الفقيرة التي لا زوج لها، وقد يستعمل في الرجل أيضًا مجازًا قال:

هذي الأرامل قد قضّيتَ حاجتَها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر

قال في "الفتح": ومن ثم لو أوصى للأرامل خص النساء دون الرجال. قلت: هذا لعله

<<  <  ج: ص:  >  >>