على صورة الوقف لأن ابن عمر أسند القول إلى غيره، فلا يصح أن يكون من قوله ومن أسنده إليه معلوم أنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه هو الذي يسند إليه الصحابي ويَرْوي عنه، وإذا كان لم يذكره. فإنّما لم يذكره للعلم به على حد قوله تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلَّى}، وقوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}، وقوله:"في شامنا ويمننا" المراد بهما: الإقليمان المعروفان، أو البلاد التي عن يميننا وشمالنا أعم منهما.
وقوله "في نجدنا؟ " هو خلاف الغور وهو تهامة وكل ما ارتفع من بلاد تهامة إلى أَرض العراق. ذكر هنا "وفي نجدنا" بعد قوله: "في شامِنا وَيَمننا" مرتين، وفي رواية ولد ابن عون فلما كان الثالثة أو الرابعة قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: بها الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان". وقرن الشيطان أُمته وحزبه. قال الداودي: للشمس قرن حقيقة، ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين به على الإِضلال، وهذا وجه وقيل: إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له، قيل: ويحتمل أن يكون للشمس شيطان تطلع الشمس بين قرنيه، وقال الخطابي: القرن الأُمة من الناس يحدثون بعد فناء آخرين، وقرن الحية أن يضرب المثل فيما لا يحمد من الأُمور. وقال غيره: كان أهل المشرق يومئذٍ أهل كفر فاخبرَ -صلى الله عليه وسلم- أن الفتنة تكون من تلك النَّاحية، فكان كما أُخبروا. وأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببًا للفرقة بين المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البِدع نشأَت من تلك الجهة.
قال المهلب: إنما ترك -عليه الصلاة والسلام- الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن البشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن، وقال القسطلاني: إنما ترك الدعاء لأهل المشرق لأنه علم العاقبة، وأن القدر سبق بوقوع الفتن فيها والزلازل ونحوها من العقوبات. والأدب أن لا يدعى بخلاف القدر مع كشف العاقبة بل يحرم حينئذ. وقد مرَّ أن نجد ما ارتفع من بلاد تهامة إلى العراق، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة. وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة. وقد ذكرت حدود نجد في رسالتي المسماة: "بالقول القاضي" بمبانيه، وأما الشام فقد قال أبو القاسم الزجاجي: سميت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض فشبهت بالشامات، وقيل سميت بذلك؛ لأن قومًا من كنعان بن حام خرجوا عند التفرق فتشاءموا إليها أي: أخذوا ذات الشمال.
وقال ابن عساكر: سميت الشام بسام بن نوح -عليه السلام- وسام اسمه بالسريانية شام، وبالعبرانية شيم وقيل: سميت شامًا لأنها عن شمال الأرض، وقيل: إن اسم الشام أولًا سورية، وكانت أرض بني إسرائيل قسمت على اثني عشر سهمًا فصار لسهم منهم مدينة شامرين. وهي من فلسطين فصار إليها متجر العرب في ذلك، ومنها كانت ميرتهم فَسَمَوا الشام بشامرين. ثم حذفوا فقالوا: الشام، قال البكري: الشام مهموز الألف، وقد لا يهمز، وقال الفراء: فيها لغتان: شأم، وشام والنسب إليها شأمي، وشامي على الحذف. وقال الجوهري: يذكر ويؤنث.