وأخرج إسماعيل السدي عن أنس كان إبراهيم قد ملأ المهد، ولو عاش لكان نبيًا، ولكن لم يكن ليبقى فإن نبيكم آخر الأنبياء. وأخرج ابن منده عن إسماعيل قلت لابن أبي أَوفى: رأيت إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم. كان أشبه الناس به، مات وهو صغير. وقد استنكر ابن عبد البر حديث أنس وابن أبي أوفى. فقال بعد نقلهما: لا أدري ما هذا؟ فقد ولد نوح غير نبي ولو لم يلد النبي إلا نبيًا لكان كل أحد نبيًا؛ لأنهم من ولد نوح -عليه السلام- وآدم -عليه السلام- لا أعلم في ولده لصلبه نبيًا غير شيث. فكما يلد غير النبي نبيًا، فكذلك يجوز أن يلد النبي غير نبي. قال في "الإصابة": ولم يلزم من الحديثين المذكورين ما ذكره لما لا يخفى. قلت: بيانه هو أن هذا إذا كان ورد في إبراهيم وحده لا يلزم منه أن يكون شائعًا في كل ولد وُلِدَ لنبي، فيكون خصوصيته له من الله تعالى. ويدل لذلك حديث ابن عباس المرفوع، فهو مثل ما روي عن أنس وابن أبي أوفى وقال النووي في ترجمة إبراهيم من تهذيبه: وأما ما روي عن بعض المتقديمن لو عاش إبراهيم لكان نبيًا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات ومجازفة، وهجوم على عظيم. قال في "الإصابة": وهو عجيب من وروده عن ثلاثة من الصحابة، وكأنه لم يظهر له وجه تأويله. فبالغ في إنكاره. وجوابه أن القضية شرطية لا تستلزم الوقوع ولا يظن بالصحابي أنه يهجم على هذا بظنه.
قلت: مرّ عن ابن عباس رفع ما قاله أنس وابن أبي أوفى، ومعلوم أن ما قالاه في حكم المرفوع؛ لأنه لا مجال للرأي فيه، وما كان كذلك من آثار الصحابة له حكم المرفوع، كما هو مقرر عند أهل الحديث؛ لأنهم لا يهجمون على الغيب بدون إخبار منه -صلى الله عليه وسلم- وما روي ليس فيه ما ينكر، إذ غاية ما فيه التنويه بقدر إبراهيم وأنه أهل لهذا المنصب لو عاش، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في حق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:"لو كان بعدي نبي لكان عمر". فهذا من المعنى، ومَنْ تأمل ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من محبته سلم لهذا. فقد أخرج مسلم عن أنس ما رأيت أرحم بالعيال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. كان إبراهيم مسترضعًا له في عوالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه فيأخذه ويقبله، فذكر قصة موته أخرجها هو والبخاري. وفيها أنه دخل عليه وهو يجود بنفسه فجعلت عيناه تذرفان وهو يقول:"العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون".
وأخرج ابن عبد البر بسنده عن عطاء بن جابر قال: أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيد عبد الرحمن بن عوف فأتى به النخل فإذا ابنه إبراهيم في حجر أُمه وهو يجود بنفسه فأخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضعه في حجره، ثم قال:"يا إبراهيم إنا لن نغني عنك من الله شيئًا" ثم ذرفت عيناه. ثم قال:"يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق أولنا لجدنا عليك حزنًا هو أشد من هذا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون تبكي العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب". إلى غير هذا من الأحاديث كانت وفاته في ربيع الأول وقيل: في رمضان وقيل: في ذي الحجة، وهذا الثالث باطل على القول أنه مات سنة عشر لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في حجة الوداع إلاَّ إذا كان مات في آخر ذي الحجة. وقد حكى البيهقي قولًا بأنه عاش سبعين يومًا فقط. فعلى هذا يكون مات سنة ثمان، والله