البويطي لا أؤكده عليه كما أؤكده على المستمع. وإن سجد فحسن. ومن تعليقات البخاري قال عثمان: إنما السجود على مَنْ استمع. ومذهب أبي حنيفة وجوبه على السامع والمستمع والقارىء، ولا يسقط عن أحدهما بترك الآخر، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر أنه قال: السجدة على مَنْ سمعها، واحتج بهذا الحديث مَنْ قال بعدم وجوب السجدة، وهو الشافعي وأحمد وإسحاق وداود والأوزاعي والليث. فهي عند هؤلاء من السنن الموكدة. واستدلوا على تأكيدها بحديث ابن عمر عند أبي داود والحاكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ علينا القرآن فإذا مرّ بالسجدة كبّر فسجد وسجدنا معه. وعند المالكية فيها خلاف هل هي سنة أو فضيلة؟ قولان مشهوران. واحتج القائلون بعدم الوجوب أيضًا بحديث عمر الآتي إن الله لم يفرض علينا السجود إلاّ أن نشاء، فهذا ينفي الوجوب. وقد قال عمر هذا القول والصحابة حاضرون والإجماع السكوتي حجة. وأجاب بعض الحنفية القائلين بوجوله على ما يأتي قريبًا عن قوله: لم يفرض علينا بأنّ نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب. وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث، وما كان الصحابة يفرقون بينهما، ويغني عن هذا قول عمر: ومن لم يسجد فلا إثم عليه. واستدل بقوله: إلاّ أن نشاء، على أن المرء غير في السجود، فيكون ليس بواجب. وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أنْ نشاء قراءتها، فيجب ولا يخفى بعده، ويرده تصريح عمر بقوله: ومن لم يسجد فلا إثم عليه، فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل اختيارًا يدل على عدم وجوبه، واحتجوا أيضًا بحديث الأعرابي هل عليّ غيرها قال:"لا إلاَّ أن تطوع" أخرجه الشيخان. وبحديث سلمان رضي الله تعالى عنه أنه دخل المسجد وفيه قوم يقرؤون فقرؤوا السجدة فسجدوا فقال له صاحبه: يا أبا عبد الله لولا أتينا هؤلاء القوم، فقال: ما لهذا غدونا. رواه ابن أبي شيبة، ويأتي تعليقًا عند البخاري قريبًا.
ومن الأدلة على عدم وجولها أيضًا، ما أشار إليه الطحاوي من أن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر، ومنها ما هو بصيغة الأمر. وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل فيها سجود أم لا؟ وهي ثانية الحج وخاتمة النجم واقرأ. فلو كان سجود التلاوة واجبًا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر. وحمل هؤلاء الأمر في قوله: اسجدوا على الندب، وعلى أن المراد به سجود الصلاة أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب وفي سجود التلاوة على الندب على قاعدة الشافعي ومَنْ وافقه في حمل المشترك على معنييه.
وذهب أبو حنيفة إلى وجوبها على التالي والسامع سواءً قصد سماع القرآن أو لم يقصد، واستدل صاحب الهداية على الوجوب بقوله -عليه الصلاة والسلام-: "السجدة على مَنْ سمعها السجدة على مَنْ تلاها". ثم قال كلمة على للإيجاب. والحديث غير مقيد بالقصد، وهذا غريب لم يثبت، واستدلوا بالآيات: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}، {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}{وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}. فقالوا الذم لا يتعلق إلا بترك واجب، والأمر في الآيتين للوجوب. وقد مرّ قريبًا الجواب عن هذا. وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم ونافع وسعيد بن