واحدة مثلاً في يوم تام لتعلق بها النهي، بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلًا في يومين لم يقصر، فافترقا وأقل ما ورد في ذلك بريد، فقد روى ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن حرملة قال: قلت لسعيد بن المسيب: أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة؟ قال: نعم.
وقوله:"وهي ستة عشر فرسخًا" وذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب، واختلف في معناه فقيل: السكون ذكره ابن سيده. وقيل: السعة، وقيل: المكان الذي لا فرجة فيه: وقيل الشيء الطويل. وفي مجمع الغرائب فراسخ النهار، والليل ساعاتهما وأوقاتهما وهو ثلاثة أميال، والميل من الأرض منتهى مد البصر؛ لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى أدراكه، وبذلك جزم الجوهري. وقيل: حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة، فلا يدري أهو رجل أو امرأة؟ أو هو ذاهب أو آت؟ قال النووي: الميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضة معتدلة، والإصبع ست شعيرات معتدلة معترضة، والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون. والذي قاله النووي هو الأشهر، ومنهم مَنْ عبّر عن ذلك باثني عشر ألف قدم بقدم الإنسان. وقيل: هو أربعة آلاف ذراع. وقيل: بل ثلاثة آلاف ذراع. نقله صاحب البيان. وقيل وخمسمائة، صحّحه ابن عبد البر. وقيل: ألفا ذراع، ومنهم مَنْ عبّر عن ذلك بألف خطوة للجمل.
قال في "الفتح": ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع، ومائتان وخمسون ذراعًا.
قلت: قد جاء الخلاف عند المالكية في تحديد الذراع بالإصبع، فقيل: أربعة وعشرون، كما ذكر النووي. وقيل: ستة وثلاثون إصبعًا، وهذا الأخير هو قدر الذراع الحديد المتعامل به الآن، وبما رُوي عن ابن عمر وابن عباس من كون مسافة القصر أربعة برد وهي مرحلتان يسير الأحمال، ودبيب الأقدام. أخذ مالك والشافعي وأحمد وإنما ضبطت بذلك التحديد، لثبوت تقديرها بالأميال عن الصحابة، ولأن القصر على غير الأصل، فيحتاط فيه بتحقيق تقدير المسافة. وذهب أبو حنيفة وأصحابه والكوفيون إلى إن المسافة التي تقصر فيها الصلاة ثلاثة أيام يسير الإبل، ومشي الأقدام. وقال أبو يوسف: يومان، وأكثر الثالث، والليل للاستراحة ولو سلك طريقًا هي مسيرة ثلاثة أيام وأمكنه أن يصل إليها من طريق أخرى قصر.
قلت: ظاهر هذا سواء كان عدوله عن القصيرة لعذر أم لا؟ وعند المالكية لا يقصر إلاَّ إذا كان عدوله عن القصيرة لعذر، وقدروا ذلك بالفراسخ فقيل: أحد وعشرون فرسخًا. وقيل: ثمانية عشر وعليه الفتوى. وقيل: خمسة عشر فرسخًا، وإلى ثلاثة أيام ذهب عثمان بن عفان وابن مسعود وسويد بن غفلة والشعبي والنخعي والثوري وغيرهم. قال في "الفتح": بعد أن ذكر ما مرّ في حديث ابن عمر في سفر المرأة مع غير محرم من مخالفته لاختياره في تمسك الحنفية، بحديث ابن عمر،