للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك. وقال ابن بطال: هذه الترجمة تتعلق بالفريضة. وحديث عائشة يتعلق بالنافلة، ووجه استنباطه أنه لما جاز بالنافلة القعود لغير علة مانعة من القيام، وكان -عليه الصلاة والسلام- يقوم فيها قبل الركوع، كانت الفريضة التي لا يجوز القعود فيها إلا بعدم القدرة على القيام أولى، والذي يظهر أن الترجمة غير مختصة بالفريضة، بل قوله ثم صح يتعلق بالفريضة.

وقوله: "أو وجد خفة" يتعلق بالنافلة، وهذا الشق الثاني من الترجمة، يطابق حديث الباب؛ لأنه في النفل، ويؤخذ ما يتعلق بالشق الأول بالقياس عليه. والجامع بينهما جواز إيقاع بعض الصلاة قاعدًا، وبعضها قائمًا.

قال العيني: وهذا كله تعسف، وما أوقع الشراح في هذه التعسفات إلاَّ قول ابن بطال السابق: إن الترجمة تتعلق بالفريضة، وحديث عائشة يتعلق بالنافلة، وتقييده المطلق بلا دليل تحكم، بل الترجمة على عمومها، وإن كان حديث الباب في النفل؛ لأن أدنى شيء يلايم بين الترجمة والحديث يكفي، وبيان الملايمة هو أن القيام في حق المتنفل غير متأكد، وله أن يتركه من غير عذر لما رواه مسلم والأربعة عن عائشة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ليلًا طويلًا قائمًا، وليلةً طويلةً قاعدًا، وفي حق المريض العاجز القيام يكون كذلك؛ لأن تحريمته لم تنعقد للقيام، لعدم القدرة عليه وقت الشروع في الصلاة، فليس فيه بناء الضعيف على القوي، فيكون المتنفل والمفترض العاجز سواء في ذلك فتتناولهما الترجمة من هذه الحيثية.

ودل الحديث على جواز القعود في أثناء النافلة لمن افتتحها قائمًا، كما يباح له أن يفتتحها قاعدًا، ثم يقوم إذ لا فرق بين الحالتين، ولاسيما مع وقوع ذلك منه -عليه الصلاة والسلام- في الركعة الثانية، خلافًا لمن أبى ذلك. ومنع أشهب من المالكية الجلوس في أثناء النافلة بعد ابتدائها بالقيام، واستدل به على أن مَنْ افتتح صلاته مضطجعًا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله، ودل على إنه لا يشترط لمن افتتح الصلاة قاعدًا أن يركع قاعدًا أو قائمًا أن يركع قائمًا، وهو محكي عن أشهب وبعض الحنفية، والحجة فيه ما رواه مسلم وغيره عن عبد الله بن شقيق عن عائشة في سؤاله لها عن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: كان إذا قرأ قائمًا ركع قائمًا، وإذا قرأ قاعدًا ركع قاعدًا. وهذا صحيح، ولكن يلزم منه منع ما رواه عروة عنها فيجمع بينهما بأنه كان يفعل كلًا من ذلك بحسب النشاط وعدمه.

وقد أنكر هشام بن عروة على عبد الله بن شقيق هذه الرواية، واحتج بما رواه عن أبيه: أخرج ذلك ابن خزيمة في صحيحه ثم قال: ولا مخالفة عندي بين الخبرين؛ لأن رواية عبد الله بن شقيق محمولة على ما إذا قرأ جميع القراءة قاعدًا، أو قائمًا. ورواية هشام بن عروة محمولة على ما إذا قرأ بعضها جالسًا وبعضها قائمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>