للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسره المصنف في رواية كريمة بالتحريك، وقال الخليل: دَفَّ الطائر، إذا حرك جناحيه وهو قائم على رجليه. وقال الحميديّ: الدف الحركة الخفيفة، والسير اللين. وفي رواة مسلم "خشف" بفتح وسكون الشين المعجمتين وتخفيف الفاء، وقال أبو عبيد وغيره: الخشف الحركة الخفيفة، وفي حديث بُريدة عند أحمد والترمذيّ: سمعت خشخشة، بمعجمتين مكررتين، وهو بمعنى الحركة أيضًا. وقوله: "أرجى عندي أني" بفتح الهمزة، ومن مقدرة قبلها صلة لأفعل التفضيل، وثبتت في رواية مسلم، وفي رواية الكشميْهنيّ "أنْ" بنون خفيفة بدل "أني" وقوله: "طهورًا" زاد مسلم: "تامًا"، والذي يظهر أنه لا مفهوم لها، ويحتمل أن يخرج بذلك الوضوء اللغوي، فقد يفعل ذلك لطرد النوم، لكن هذا الاحتمال يرده قوله بعد "إلا صليت بذلك الطهور"، فإن الوضوء اللغوي لا يُصلى به، فلا يحتاج إلى الإخراج.

وقوله: "في ساعة ليل أو نهار" بتنوين ساعة، وخفض ليل على البدل، وبغير تنوين على الإضافة. وفي رواية مسلم: "في ساعة من ليل أو نهار"، وقوله: "إلا صليت" زاد الإسماعيليُّ "لربي". وقوله: ما كُتب لي، أي: قدر، وهو أعم من الفريضة والنافلة. قال ابن التين: إنما اعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي -صلى الله عليه وسلم-، أن الصلاةَ أفضل الأعمال، وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر، والذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن أرجاها، الأعمالُ المتطوعُ بها، وإلا فالمفروضة أفضل قطعًا.

ويستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة؛ لأن بلالًا توصل إلى ما ذكرنا بالاستنباط، فصوبه النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقال ابن الجوزيّ: فيه الحث على الصلاة عقب الوضوء، لئلا يبقى الوضوء خاليًا عن مقصوده. وقال المهلب: فيه أن الله يعظم المجازاة على ما يسره العبد من عمله، وفيه سؤال الصالحين عمّا يهديهم الله به من الأعمال الصالحة، ليقتدي بها غيرهم في ذلك. وفيه أيضًا سؤال الشيخ عن عمل تلميذه، ليحضه عليه ويرغبه فيه، إن كان حسنًا، وإلا فينهاه. واستدل به على جواز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة، لعموم قوله في كل ساعة، وتعقب بأن الأخذ بعمومه، ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي. وتعقبه ابن التين بأنه ليس فيه ما يقتضي الفورية، يحمل على تأخير الصلاة قليلًا، ليخرج وقت الكراهة، أو أنه كان يؤخر الطهور إلى آخر وقت الكراهة، لتقع صلاته في غير وقت الكراهة، لكن عند التِّرْمِذِيّ وابن خزيمة من حديث بُرَيدة في نحو هذه القصة "ما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها"، ولأحمد من حديثه: "ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين"، فدل على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء، والوضوء بالصلاة في أي وقتٍ كان.

وقال الكرّمانيّ: ظاهر الحديث أن السماع المذكور وقع في النوم؛ لأن الجنة لا يدخلها أحد إلا بعد الموت، ويحتمل أن يكون في اليقظة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخلها ليلة المعراج، وأما بلال فلا يلزم من هذه القصة أنه دخلها؛ لأن قوله: "في الجنة" ظرف للسماع، ويكون الدف بين يديه خارجًا

<<  <  ج: ص:  >  >>