العصر من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكونها العصر هو المعتمد، وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة.
وقول أحمد، والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه. قال الترمذيّ: هو قول أكثر علماء الصحابة، وقال الماورديّ: هو قول جمهور التابعين. وقال ابن عبد البرّ: هو قول أكثر أهل الأثر، وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن العَربي وابن عطية.
ويؤيده أيضًا ما رواه مسلم عن البراء بن عازب قال: نزل {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} فقال رجل فهي إذن صلاة العصر، فقال: أخبرتك كيف نزلت. وأخرج البخاريّ عن عليّ رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم الخندق:"حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس"، ولمسلم عن عُبيدة السلمانيّ عن عليّ بلفظ "كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس" يعني العصر. وروى أحمد والترمذيّ عن سمرة، رفعه قال:"صلاة الوسطى صلاة العصر".
وروى ابن جرير عن أبي هُريرة، رفعه "الصلاة الوسطى صلاة العصر". وعن كُهَيل بن حَرْملة سئل أبو هُريرة عن الصلاة الوسطى فقال: اختلفنا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم خرج إلينا فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر. وعن عبد العزيز بن مروان أنه أرسل إلى رجل فقال: أي شيء سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة الوسطى؟ فقال: أرسلنى أبو بكر وعمر أسأله، وأنا غلام صغير فقال: هي العصر، وعن أبي مالك الأشعري، رفعه "الصلاة الوسطى صلاة العصر".
وروى التِّرمذيّ وابن حِبّان عن ابن مسعود مثله، وروى ابن جرير عن هشام بن عُروة عن أبيه قال: كان في مصحف عائشة {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وهي صلاة العصر، وروى ابن المُنْذر عن ابن عباس قال: شغل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- الأحزابُ يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فقال:"شغلونا عن الصلاة الوسطى"، وأخرج أحمد عن أم سلمة وأبي أيوب وأبي سعيد وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عباس من قولهم إنها صلاة العصر.
القول الثاني: إنها الصبح، وهو قول أبي أمامة وأنس وجابر وأبي العالية وعبيد بن عمير وعطاء ومكرمة ومجاهد، نقله ابن أبي حاتم عنهم، وهو أحد قولي ابن عمر وابن عباس، ونقله مالك والتِّرمذيّ عنهما، ونقله مالك بلاغًا عن علي، المعروف عنه خلافه، ونقل ابن جرير عن أبي رجاء العطارديّ قال: صليت خلف ابن عباس الصبح، فَقَنَتَ فيها ورفع يديه ثم قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين، وأخرجه أيضًا من وجه آخر عنه وعن ابن عمر، ومن طريق أبي العالية: صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة في زمن عمر صلاة الغَداة، فقلت لهم: ما الصلاة الوسطى؟ قالوا: هي: هذه الصلاة، وهو قول مالك والشافعيّ فيما نص عليه في الأُم. واحتجوا له بأن فيها القنوت. وقد قال الله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وبأنها لا تقصر في السفر، وأنها بين صلاتي جهر وصلاتي سر.