في رواية ابن جُريج، كما يأتي بيانه عقب حديث الليث في المتابعة.
واستدل به على مشروعية التكبير فيهما، والجهر به كما في الصلاة، وأن بينهما جلسة فاصلة، واستدل به المالكية ويعض الشافعية على الاكتفاء بالسجدتين للسهو في الصلاة ولو تكرر، من جهة أن الذي فات في هذه القصة الجلوسُ والتشهد فيه، وكل منهما، لوسها المصلي عنه على انفراده، سجد لأجله، ولم ينقل أنه -صلى الله عليه وسلم-، سجد في هذه الحالة غير سجدتين. وتُعُقب بأنه ينبني على مشروعية السجود، لترك ما ذكر، ولم يستدلوا على مشروعية ذلك بغير هذا الحديث، فيستلزم إثبات الشيء بنفسه، وفيه ما فيه.
وقد صرح في بقية الحديث بأن السجود مكان ما نسي من الجلوس، كما يأتي في رواية الليث "نعم حديث ذي اليدين" دال لذلك، وقد مرَّ ما فيه من الخلاف في باب "التوجه نحو القبلة حيث كان" عند حديث ابن مسعود. وقوله: وهو جالس، جملة حالية متعلقة بقوله "سجد" أي: أنشأ السجود جالسًا، وقوله: ثم سلم، زاد في رواية يحيى بن سعيد "ثم سلم بعد ذلك" وفي رواية الليث الآتية "وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس".
وقد مرَّ في الباب المذكور تحرير مذاهب الأئمة في محل السجود، واستدل بزيادة الليث المذكورة على أن السجود خاص بالسهو، فلو تعمد ترك شيء، مما يجبر بسجود السهو لا يسجد، وهو مذهب الجمهور ورجحه الغزالي، وناس من الشافعية. قلت: وهو المعتمد عند المالكية، ومقابله مشهور أيضًا، وهو أن تارك السنة عمدًا تبطل صلاته، واختلف هل الخلاف جار ولو ترك سننًا عديدة؟ وهذا هو المشهور، أو محله في السنة الواحدة المؤكدة، وأما سنن عديدة فتبطل الصلاة بتعمد تركها.
واستدل به أيضًا على أن المأموم يسجد مع الإمام إذا سها الإمام، وإن لم يسه المأموم، ونقل ابن حزم فيه الإجماع، لكنْ استثنى غيره ما إذا ظن الإمام أنه سها فسجد، وتحققَّ المأمومُ أنَّ الإمام لم يسه فيما سجدَ له، وفي تصويرها عسر، وما إذا تبين أن الإمام محدث. ونقل أبو الطيب الطبريّ أن ابن سيرين استثنى المسبوق أيضًا. قلت: مذهب مالك أن المسبوق إذا أدرك مع الإمام ركعة فأكثر، يسجد معه القبليّ، ويؤخر البعديّ إلى إتمام صلاته، ولو سجد معه البعديّ عمدًا بطلت صلاته، لا سهوًا، وفي الجهل قولان؛ وإن لم يدرك معه ركعة بطلت صلاته بسجوده، قبليًا أو بعديًا، لأنه غير مأموم حقيقة.
وفيه أن التشهد الأول غير واجب، وقد مرَّ في أبواب صفة الصلاة باب "من لم ير التشهد الأول واجبًا". وفيه أن سجود السهو لا تَشهُّد بعده إذا كان قبل السلام، وقد مرَّ استيفاء الكلام على ذلك مفصلًا في باب "تشبيك الأصابع" عند حديث ذي اليدين، وفيه أن من سها عن التشهد الأول حتى قام الى الركعة ثم ذكر لا يرجع، فقد سبح به -صلى الله عليه وسلم-، فلم يرجع، فلو تعمد المصلي الرجوع بعد