للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلةُ الجلوسِ والسؤالِ ... وعدمُ التقنيطِ في المقالِ

وعدمُ النظر في المسكن مع ... وضع يدٍ على جبينِ ذي الوجعْ

أو يده، أفاد ذا أبو الحسن ... على الرسالة جزاهُ ذو المِنن

وقد ورد في فضل العيادة أحاديث كثيرة جياد. منها عند مسلم والترمذيّ حديث ثويان "أن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خُرفة الجنة. والخُرفة بضم الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها فاء ثم هاء، هي الثمرة إذا نضجت، شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوز، الذي يجتني الثمر. وقيل: المراد بهاهنا الطريق، والمعنى أن العائد يمشي في طريق تؤديه إلى الجنة. والتفسير الأول أولى، فقد أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" من هذا الوجه، وفيه: قلت لأبي قُلابة: ما خرفة الجنة؟ قال: جناها. وهو عند مسلم من جملة المرفوع. وأخرج البخاري أيضًا عن عمر بن الحكم عن جابر رفعه "من عاد مريضًا خاض في الرحمة حتى إذا قعد استقر فيها" وأخرجه أحمد والبزار وصححه ابن حبّان والحاكم، وألفاظهم فيه مختلفة. ولأحمد نحوه عن كعب بن مالك بسند حسن.

وقوله: "وأجابة الداعي" الإِجابة مصدر أجاب إجابة وأصلها إجوابًا، حذفت الواو وعوض عنها التاء، والاجابة والاستجابة بمعنى، والداعي من دعا يدعو دعوة، والدعوة بالفتح إلى الطعام، وبالكسر في النسب، وبالضم في الحرب. قال النوويّ: وعَكَسَ بنو تَيْم الرباب ففتحوا دال دَعوة النسب، وكسروا دال دعوة الطعام، وما نسبه لبني تيم الرباب نسبه صاحبا الصحاح والمحكم لبني عدي الرباب، والولائم ثمانية يأتي تحريرها إن شاء الله تعالى قريبًا.

وقد نقل ابن عبد البر ثُمّ عِياضٌ ثم النووي، الاتفاقَ على وجوب الإجابة لوليمة العرس، وفيه نظر، نعم، المشهور من أقوال العلماء الوجوب، وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين. ونص عليه مالك. قلت: وهو المعتمد في مذهبه، وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة، وذكر اللخميّ من المالكية أنه المذهب. قلت: هذا غير صحيح، بل المذهب الوجوب كما مرَّ، وكلام صاحب الهداية يقتضي الوجوب مع تصريحه بأنها سنة، فكأنه أراد أنها وجبت بالسنة، وليست فرضًا كما عرف من قاعدتهم. وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية، وحكى ابن دقيق العيد أن محل ذلك إذا عمت الدعوة، أما لو خص كل واحد بالدعوة فإن الإجابة تتعين، وشرط وجوبها أن يكون الداعي مكلفًا حرًا رشيدًا، وأن لا يظهر قصد التودد لشخصٍ بعينه لرغبة فيه أو رهبة منه، وأن يكون الداعي مسلمًا على الأصح، وأن يختص باليوم الأول على المشهور، وأن لا يسبق، فمن سبق تعينت إجابته دون الثاني، وإن جاءا معًا قدم الأقرب رحمًا على الأقرب جوارًا على الأصح، فإن استويا أقرع، وأن لا يكون هناك من يتأذى به من منكر وغيره، وأن لا يكون له عذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>