للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القطن ونحوه صريح، فإذا خُلِطا بحيث لا يسمى حريرًا، بحيث لا يتناوله الاسم، ولا تشمله علة التحريم، خرج عن الممنوع فجاز.

وقد ثبت لبس الخز عن جماعة من الصحابة وغيرهم. قال أبو داود: لبسه عشرون نفسًا من الصحابة وأكثر، وأورده ابن أبي شَيبة عن جمع منهم، وعن طائفة من التابعين، بأسانيد جياد، وأعلى ما ورد في ذلك ما أخرجه أبو داود والنَّسَائيّ عن عبد الله بن سعد الدَّشْتَكِيّ عن أبيه، قال: رأيت رجلًا على بغلة، وعليه عمامة خَزّ سوداء، وهو يقول: كَسَانيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

وأخرج ابن أبي شَيبة عن عَمّار ابن أبي عمّار قال: أتَتْ مروان بن الحَكم مطارفُ خَزٍّ فكساها أصحابَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. والأصح في تفيسر الخز أنه ثياث سَدَاها من حرير ولُحْمَتها من غيره. وقيل: تنسج مخلوطة من حرير وصوف أو نحوه. وقيل: أصله اسم دابة يقال لها الخَزّ، سُمِّي الثوب المتخذ من وبره خزًا لنعومته، ثم أطلق على ما يخلط بالحرير لنعومة الحرير، وعلى هذا، فلا يصح الاستدلال بلبسه على جواز لُبس ما يخالطه الحرير، ما لم يتحقق أن الخز الذي لبسه السلف كان من المخلوط بالحرير.

وأجاز الحنفية والحنابلة لُبْس الخز ما لم يكن فيه شُهْرة، ويحرم عندهم، أي: الحنابلة، لُبْس ما أكثره حرير، لا إنْ استويا، فلا يحرم، ولا يحرم حشوُ جِباب به وفرش، وعن مالك كراهة الخز، وهذا كله في الخز.

وأما القز، بالقاف بدل الخاء المعجمة، فقال الرافعيّ: عد الأئمة القز من الحرير، وحرموه على الرجال، ولو كان كَمِدَ اللَّون. ونقل الإِمام الاتفاقَ عليه، لكن حكى المُتَوَلِّي في "التتمة" وجهًا، أنه لا يحرم، لأنه لبس من ثياب الزينة. قال ابن دقيق العيد. إن كان مراده بالقز ما نطلقه نحن الآن عليه، فليس يخرج من اسم الحرير، فيحرم، ولا اعتبار بُكُمودة اللون، ولا بكونه ليس من ثياب الزينة، فإنَّ كلًا منهما تعليلٌ ضعيف، لا أثر له بعد انطلاق الاسم عليه.

ولم يتعرض لمقابل التقسيم، وهو وإن كان المراد به شيئًا آخر، فيتجه كلامه، والذي يظهر أن مراده به رديء الحرير، وهو ما تقدم في الخز، ولأجل ذلك وصفه بكمودة اللون.

وقوله في الحديث "والدِّيباج" هو بكسر الدال، فارسي معرب، وقال ابن الأثير: الديباجُ الثيابُ المتخذة من الإِبْرَيْسِم، وقد تُفتح داله، ويجمع على ديابيج، بياءين، ودبابيج بياءين، لأنه أصله دِبّاج. وقوله: "والإسْتَبْرَق" بكسر الهمزة وفتح الراء، ثخينُ الديباج على الأشهر، وقيل: رقيقه، وقال النَّسَقِيّ في قوله تعالى: {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ}: السندس ما رَقَّ من الحرير،

<<  <  ج: ص:  >  >>