للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حارب وسالم، ونكح وطلّق، وترككم على محجة واضحة" وهذه من موافقات العباس للصديق، في حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة: أن أبا بكر مرَّ بعمر وهو يقول: "ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا يموت حتى يقتل المنافقين" وكانوا أظهروا الاستبشار، ورفعوا رؤوسهم، فقال: أيها الرجل، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد مات، ألم تسمع الله تعالى يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}. وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ}.

وقوله سابقًا: ثم أكَبَّ عليه، فقبله، في رواية أحمد عن عائشة "أتاه من قِبَل رأسه، فحدر فاه، فقبل جبهته، ثم قال: وانبياه، ثم رفع رأسه فحدر فاه، وقبل جبهته، ثم قال: واصَفِيَّاه، ثم رفع رأسه، وحدر فاه، وقيل: جبهته، ثم قال: واخليلاه". ولابن أبي شيبة عن ابن عمر "فوضع فاه على جبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل يقبّله ويبكي، ويقول: بأبي وأُمي، طِبْتَ حيًا وميتًا" وللطبرانيّ عن جابر أن أبا بكر "قبّل جبهته"، وله عن سالم بن عَتِبك "أن أبا بكر دخل على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-فمسَّه، فقالوا: يا صاحب رسول الله، مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم".

وقوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}. في رواية عائشة عند أحمد أن أبا بكر حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} حتى فرغ من الآية، ثم تلا {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية، وقال فيه: قال عمر: أَوَ إنها في كتاب الله؟، ما شعرت أنها في كتاب الله، وفي حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة نحوه، وزاد "ثم نزل واستبشر المسلمون، وأخذ المنافقين الكآبةُ، قال ابن عمر: فكأنما على وجوهنا أغطية فكشفت" وفي الرواية الآتية في الوفاة قال عمر: فما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فَعُقِرْتُ حتى ما تقِلُّنِي رِجلاي، وحتى أهْوَيت إلى الأرض.

وقوله: "فعقرتُ" بضم العين وكسر القاف، أي: هلكت، وفي رواية بفتح العين، أي دُهِسْت وتحيّرتُ، ويقال: سقطت. وروى بالفاء من العَفَر، وهو التراب. وفي رواية الكَشْميهنيّ "فقعرتُ" بتقديم القاف على العين، وهو خطأ. وقوله: ما تُقِلُّني، أي بضم أوله وكسر القاف وتشديد اللام، أي ما تحملني، وقوله: وحتى أهويت، في رواية الكشميهنيّ "حتى هَوَيت" بفتح أوله وثانيه، وعند عبد الرزاق عن الزهريّ "فعقرت وأنا قائم، حتى خررتُ إلى الأرض، فأيقنتُ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد مات".

وفي الحديث قوة جأش أبي بكر، وكثرة علمه، وقد وافقه على ذلك العباس والمغيرة كما ذكرنا، ووافقه ابن أمِّ مَكْتوم، لما في المغازي لأبي الأسود عن عُروة قال: إنه كان يتلو قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} والناس لا يلتفتون إليه، وكأن أكثر الصحابة على خلاف ذلك، فيؤخذ منه أن الأقل عددًا في الاجتهاد قد يصيب، ويُخطىء الأكثر، فلا يتعين الترجيح بالأكثرية، ولاسيما

<<  <  ج: ص:  >  >>