للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، وقد يمنع لزوم كون الماء يصير مضافًا بذلك، لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر، ثم يغسل بالماء في كل مرة، فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك. وقال القرطبيّ: يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده، ثم يصب عليه الماء القراح، فهذه غسلة.

وحكى ابن المنذر أن قومًا قالوا: تطرح ورقات السدر في الماء، أي لئلا يمازج الماء فيتغير وصفه المطلق، وحكى عن أحمد أنه أنكر ذلك، وقال: يغسل في كل مرة بالماء والسدر، وأعلى ما ورد في ذلك ما رواه أبو داود عن قتادة عن ابن سيرين "أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية، فيغسل بالماء والسدر مرتين، والثالثة بالماء والكافور" قال ابن عبد البر: كان يقال: كان ابن سيرين من أعلم التابعين بذلك.

وقال ابن العربيّ: من قال الأُولى بالماء القراح، والثانية بالماء والسدر، أو العكس، والثالثة بالماء والكافور، فليس هو في لفظ الحديث. وكأن القائل أراد أن تقع إحدى الغسلات بالماء الصرف المطلق، لأنه هو المطهر حقيقة، وأما المضاف فلا. قلت: الذي نفى ابن العربيّ وجوده في الحديث هو الذي صرح في المحيط، والمبسوط أنه مذهب الحنفية الأولى، بالماء القراح، والثانية بالماء والسدر، والثالثة بالماء والكافور، وكذا الحكم عند المالكية، إلا أنهم يندب عندهم الغسل سبع مرات، ويندب جعل الكافور في الأخيرة، سواء كانت ثالثة أو سابعة.

وعند سعيد بن المسيب والثوري يغسل في المرة الأولى والثانية بالماء القراح، والثالثة بالسدر. وقال الشافعيّ يختص السدر بالأولى، وبه قال ابن الخطاب من الحنابلة. وعن أحمد يستعمل السدر في الثلاث كلها، وتمسَّك بظاهر الحديث ابن شعبان وابن الفرضى وغيرهما من المالكية، فقالوا: غسل الميت إنما هو للتنظيف، فيجزيء بالماء المضاف كماء الورد ونحوه، قالوا: وإنما يكره من جهة السرف، والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبديّ يشترط فيه ما يشترط في بقية الأغسال الواجبة والمندوبة، وقيل: شرع احتياطًا لاحتمال أن يكون عليه جنابة، وفيه نظر، لأنّ لازمَه أن لا يشرع غُسل متن هو دون البلوغ، وهو خلاف الإجماع، وكرهت الشافعية وبعض الحنابلة الماءَ المسخّن، وعندهم الماء البارد وأفضل، إلا أن يكون عليه وسخ أو نجاسة لا تزول إلا بالماء الحار، أو يكون البرد شديدًا. وعند المالكية البارد والمسخّن سيّان.

ثم قال: وحنط ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، ابنًا لسعيد بن زيد، وحمله وصلى ولم يتوضأ.

قوله: حَنَّط، بفتح المهملة والنون الثقيلة، أي: طيبه بالحنوط، وهو كل شيء يخلط من الطيب للميت خاصة، فيدخل فيه المسك، وأجازه أكثر العلماء، وأمر به علي، رضي الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>