وقوله: فصلى عليه فنزلت {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} وفي رواية ابن عباس في التفسير وفي آخر الجنائز زيادة "ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من براءة {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ} إلى {وَهُمْ فَاسِقُونَ}. وقال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله ورسوله أعلم، وفي رواية لابن عمر "فصلى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصلينا معه، ثم أنزل الله عليه {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ} الخ.
وفي حديث مسدد عند ابن أبي حاتم زيادة "فترك الصلاة عليهم"، وزاد ابن إسحاق في المغازي "فما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على منافق بعده حتى قبضه الله"، وزاد فيه الطبريّ عن ابن إسحاق "ولا قام على قبره"، وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال "لما نزلت {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} إلى آخرها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لأزيدنّ على السبعين"، فأنزل الله تعالى:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}.
ورجاله ثقات مع إرساله، ويحتمل أن تكون الآيتان معًا، نزلتا في ذلك، وظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين، لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم، فقد أخرج الواقديُّ عن الزُّهريّ قال: قال حُذيفة: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني مُسِرٌّ إليك سرًا فلا تذكره لأحد، إني نهيت أن أُصلّي على فلان وفلان" رهطٍ ذوي عددٍ من المنافقين. قال: فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حُذيفة، فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه، ومن طريق أخرى عن جُبير بن مُطْعِم أنهم اثنا عشر رجلًا، ولعل الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك، أن الله تعالى علم أنهم يموتون على الكفر بخلاف من سواهم، فإنهم تابوا.
وقوله في رواية ابن عباس الماضية: فعجبت من جُرأتي، بضم الجيم وسكون الراء بعدها همزة، أي إقدامي عليه، وقد مرَّ توجيهه. وقوله: والله ورسوله أعلم، ظاهرة أنه قول عمر، ويحتمل أن يكون قول ابن عباس، وقد روى الطبريّ عن ابن عباس قال: فالله أعلم أيَّ صلاةٍ كانت، وما خادع محمدٌ أحدًا قط.
وقال بعض الشراح: يحتمل أن يكون عمر ظن أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، حين تَقَدَّم للصلاة على عبد الله بن أُبَيّ، كان ناسيًا لما صدر من عبد الله بن أُبَيّ، وتُعُقب بما في السياق من تكرير المراجعة، فهي دافعة لاحتمال النسيان. وقد صرح في الحديث بقوله:"فلما أكثرت المراجعة" فهي دافعة لاحتمال النسيان، وقد صرح في الحديث بقوله:"فلما أكثرت عليه" قال: فدل على أنه كان ذاكرًا، وقد مرَّ ما يشفي في هذا، ويأتي في آخر الجنائز زيادةٌ في سبب إلباسه عليه الصلاة والسلام ثوبه له.