وقطعت أُذنيه، وبقرتْ بطنه، أخذت كبده، جعلت تلوكها، ثم لفظتها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "لو دخلت بطنها لما تدخله النار".
وذكر الواقدي قال: لم تبك امرأة من الأنصار على ميت بعد قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لكنَّ حمزة لا بواكيَ له إلى اليوم، إلا بدأت بالبكاء على حمزة"، ثم بكت على ميتها وفي فوائد أبي الطاهر عن جابر قال: استصرخنا على قتلانا بأُحد يوم حَفَر معاوية العين، فوجدناهم رطابًا، وأصاب المرّ، أي: المِسحاةُ رجلَ حمزة فطار منها الدم، ورثاه كعبُ بن مالك بقصيدة فقال:
بكت عيني وحق لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويلُ
على أُسدِ الإِله غداةَ قالوا: ... لحَمزةُ ذاكم الرجل القتيلُ
أُصيب المسلمون به جميعًا ... هناك، وقد أُصيب به الرسولُ
أبا يعلى لك الأركان هُدَّتْ ... وأنت الماجد البَرُّ الوصُولُ
عليك سلام ربك في جنانٍ ... يخالطها نعيمٌ لا يزول
ألا يا هاشمَ الأخيار صَبرًا ... فكلّ فِعالكم حَسَنٌ جميلُ
رسولُ الله مصطبرٌ كريمٌ ... بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا من مبلغٌ عني لُؤيّسًا ... فَبَعْد اليوم دائلةٌ تدول
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا ... وقائعنا بها يُشفى الغليلُ
نسيتم ضربنا بقَليب بدرٍ ... غداةَ أتاكم الموتُ العَجيل
غَداةَ ثوى أبو جهل صريعًا ... عليه الطير حائمة تجولُ
وعتبةُ وابنُه خرّا جميعا ... وشيبةُ عضَّه السيفُ الصقيلُ
ألا يا هندُ لا تُبدي شِماتا ... بحمزةَ إن عزكم ذليلُ
ألا يا هند بكِّي لا تَمَلّي ... فأنتِ الواله العَبْرى الهَبُولُ
الثاني مصعب بن عُمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد البر بن قُصَي بن كلاب العبدريّ، أحد السابقين إلى الإِسلام، يكنى أبا عبد الله، أسلم قديمًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفًا من أمه وقومه، وكان يختلف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سرًا، فرآه عثمان بن طلحة يصلي، فأعلم أهله، فأوثقوه، فلم يزل محبوسًا إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة، ثم رجع مع من رجع إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة.
قال ابن إسحاق: لما انصرف الناس عن العقبة، بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معهم مُصْعَبَ بن عُمير يُقرئهم القرآن، ويفقههم في الدين، وكان يسمى القارىء والمقرىء، وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة. قال البراء بن عازب: أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين مصعب بن