بها ثم خرج" وقوله: فَحَسَّنها فلان، بمهملتين من التحسين، أي: نسبها للحُسْن، وللمصنف في اللباس "فجسها" بالجيم بغير نون، وكذا للطبرانيّ والإِسماعيليّ. وقوله: فلان، أفاد المحب الطبريّ عن الطبرانيّ أنه عبد الرحمن بن عوف. وقال في "الفتح": لم أره في المعجم الكبير، لا في مسند سهل ولا عبد الرحمن. وأخرج الطبرانيّ أيضًا أنه سعد بن أبي وقاص. وفي رواية له أيضًا عن زَمْعَة بن صالح أن السائل المذكور أعرابيٌّ، فلو لم يكن زمعة ضعيفًا، لانتفى أن يكون هو عبد الرحمن بن عوف أو سعد بن أبي وقاص، أو يقال: تعددت القصة على ما فيه من البعد، وقد يذكر محل كل واحد منهما في السند.
وقوله: ما أحسنَها، بنص النون، وما للتعجب، ولابن ماجه والطبرانيّ "قال: نعم، فلما دخل طواها، وأرسلها إليه" وللمصنف في اللباس "فقال: نعم، فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه" وقوله: قال القوم: ما أحسن، ما نافية، وقد وقعت تسمية المعاتب له من الصحابة، فعند الطبراني "قال سهل: فقلت للرجل: لم سألته وقد رأيت حاجته إليها؟ فقال؛ رأيت ما رأيتم، ولكن أردت أن أُخبئها حتى أكفن فيها".
وقوله: إنه لا يرد وقع هنا بحذف المفعول، وعند ابن ماجه بلفظ "لا يرد سائلًا" وكذلك عند المصنف في البيوع، وفي رواية أبي غسان في الأدب "لا شيئًا فَيَمْنَعهُ". وقوله: ما سألته لألبسها، في رواية أبي غسان "فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي -صلى الله عليه وسلم-" وأفاد الطبراني في رواية زَمْعة بن صالح أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أمر أن يصنع له غيرها، فمات قبل أنْ تفرغ.
وفي هذا الحديث من الفوائد حُسْنُ خلق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسعة جوده، وقبوله الهدية. واستنبط منه المُهَلَّب جواز ترك مكافأة الفقير على هديته، وليس ذلك بظاهر منه، فإن المكافأة كان عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- مستمرة، فلابد من السكوت عنها هنا أن يكون لم يفعلها، بل ليس في سياق الحديث الجزم بكون ذلك كان هدية، فيحتمل أن تكون عرضتها عليه ليشتريها.
قلت: سياق الحديث لا يفهم منه إلا الهدية، وهو الذي يعطيه لفظ "جاءت ببردة" ولم يذكر فيه بيع ولا مساومة، وفيه جواز الاعتماد على القرائن، ولو تجردت لقولهم "فأخذها محتاجًا إليها"، وفيه نظر لاحتمال أن يكون سبق لهم منه قول يدل على ذلك، كما تقدم.
وفيه الترغيب في المصنوع بالنسبة إلى صانعه، إذا كان ماهرًا، ويحتمل أن تكون أرادت بنسبتها إليها إزالة ما يخشى من التدليس، وفيه جواز استحسان ما يراه الإِنسان على غيره من الملابس وغيرها، إما ليعرفه قدرها، وإما ليعرض له بطلبه منه، حيث يسوغ له ذلك. وفيه مشروعية الإِنكار عند مخالفة الأدب ظاهرًا وإن لم يبلغ المنكر درجة التحريم. وفيه التبرك بآثار الصالحين،